الأحد، مارس 30، 2008

من عالم السجون إلى ممارسة الفتوة في الأسواق والدروب: ظـــل فـــتوة زمـــان

السبت 31 مارس 2007 فتوات من نوع جديد، تنتزع سطوتها وسيطرتها على مجال غزواتها بالقوة والعراك الدامي والتهديد والوعيد والعربدة وتعاطي المخدرات المهلوسة ، لايستقرون في مواقعهم إلا بعد إسقاط كل الفتوات المنافسة والمحتملة ، لهم القدرة على تحويل حياة الناس إلى جحيم، يتوزعون على الأسواق والفضاءات التجارية ويفرضون رسوما يومية على الباعة والفراشة، عبارة عن إتاوة يومية أو نصيب من السلعة، تعطى على مضض، نموذج من الفتوة ينظر إليه فتوات سابقون نظرة استغراب وتحسر على «رجال زمان». فتوات هذا الحاضر، في الزمن البيضاوي الغارق في التناقضات، تودع قيم و أخلاق فتوات زمان، على الأقل كما تصورناهم من حكي الآباء والأجداد، وكما عاشت مع ظلالهم الأجيال الأخرى ، فتوات هذا الزمن الحربائي لا تذود عن الدرب والزقاق من غصب الدخلاء ولا من بطش الغرباء...فتوات جديدة ، تغلف جبنها بالبطش والترهيب واستعمال الأسلحة البيضاء لتوزيع خرائط الإتاوات المغصوبة ، المنتزعة بالدم والقهر والغلبة والقهر من مواطنين اختاروا الرصيف أو الأسواق العشوائية لممارسة تجارة هامشية .فتوات تقتبس صورة الشخصية المافيوزية للحصول على رسوم يومية مقابل خدمة يؤديها «صعصع» الدرب أو السوق للسكان والتجار ، إنه يحميهم أولا من بطشه وجبروته ، إنه يأخذ مقابل « إعلانه أن البائع الفلاني في حماه » الإتاوة تعني « أدعك في سلام » ..الإتارة تعني «لن أبعثر سلعتك ولن أسلط عليك صغار الفتوة من المنحرفين لسرقتك وبعثرة فراشتك أو عربتك...». فتوة الأسواق العشوائية قد تصادف وأنت في طريقك تجول سوقا شعبيا بالحي المحمدي ، شابا موشوم العضلات ، تتوزع الندوب الغائرة على ساعده ، وندب آخر عميق يخترق الوجه ، يطوف بين الباعة من خضارين وتجار وباعة فراشين ، يأخذ من هذا فاكهة ، ومن الآخر خضرا وهكذا يقتات على سلع السوق أو إتاوة رسمية يومية ، مقابل السلام والأمن والبيع دون التعرض للتخريب والعنف ، ...لا تستغرب فهؤلاء هم فتوات الدارالبيضاء الجديدة ، عصابات مفيوزية تزرع الرعب والخوف والعنف على الرافضين أداء الإتاوات نقدا أو سلعة ،لكنهم أذكياء ، فكثيرا ما يبررون غارتهم اليومية على الباعة بدورهم في تنظيف الفضاءات وتخليصها من الأزبال. السوابق العدلية ورقة مرور إلى الفتوة بين العربات والفراشات في أسواق الحي المحمدي ، يتوزع الفتوات الذين يزرعون الرعب والخوف بين الباعة المضطرين لشراء رضاهم مقابل إتاوة يومية يقدمها كرها البائع، نقدا أو سلعة ، أمام أعين الجميع ، إتاوة تتحول إلى مقابل لتكنيس الفضاء من الأزبال التي تخلفها عربات بيع الخضر والفواكه ومختلف فضاءات البيع، لا أحد بإمكانه الا متناع عن أداء المقابل اليومي ، إلا إذا كان هو نفسه له سجل عدلي دسم أو «معري عللاص» ولهذا فالفتوات يختارون من الباعة من يخشى على نفسه وسلعته ، والذي ليس أمامه إلا دفع الإتاوات المختلفة للإستمرار في تجارته البسيطة ، غالبا ما يؤدي الإمتناع إلى ردود فعل دموية ، تتبعثر خلالها السلعة ، وتصبح الحادثة عبرة للممتنعين المحتملين ، «علاش كاطعطيه الفلوس» يجيب البائع « مكاد عل صدع هذ المساخيط ، شوف غير كمارتهم تخلعك» نعم هكذا يشعر هذا البائع الكهل أنه مطالب بتأمين خمر و سجائر وطعام هذا الفتوة العربيد و الذي ليس له «ما يخسر» ، المستعد لتحويل حياة بائع متمرد إلى جحيم أسود. يقع التنافس الضاري حول فتوات الأسواق ، وتحسم ورقة السوابق العدلية معركة السيطرة على المواقع الحساسة والمدرة للعطاء، كما تحسم القدرة على العراك الدامي ، باستعمال الأسلحة البيضاء وكثرة الأشياع والأتباع معركة السيطرة على الأسواق والمداخل اليومية ، فالشراسة والخطورة والعربدة والهلوسة عوامل محددة لفتوة لا يقهر ولا يرد ، وهو يطوف بين الباعة لجمع الرسوم اليومية ، وويل لمن سولت له نفسّه الإمتناع عن الأداء. يذكر الشيخ الطاعن في السن فتوات زمان فيقول متحسرا « فين هما الرجال ، الله يهديك ، كان السي أحمد بحال لغول ، شكون إكد، عليه السبسي في يد والقرعة في ليد لخرى، ولكن سيدي أو مولاي ما يتعدى على مرا ولا راجل. كان احمي المسافر أولعراس ، وصوتومسموع عند الجميع حتى نصارى». في المقابل يظهر فتوة أحد الأزقة المحترم جدا لجبروته وعربدته ، كلما خرج من السجن بارك له الجميع وذهبوا بقوالب السكر عند زوجته، غالبا مايلج السجن من أجل العراك في حالة سكر « لا يبيع المخدرات ولا الخمور ، ولكنه يسمح للكرابة وتجار بيع المخدرات بالبيع في السيكتور مقابل إتاوة رسمية، والغريب في الأمر أن الأسر تلجأ إليه عند تنظيم الأعراس والأفراح لضمان الأمان والسلم خصوصا الأعراس التي تتأخر حتى أواخر الليل، يكفي أن يجلس على مقربة من بوابة «بنية» العرس لمنع المتشردين والصعاليك والمتطفلين والفوضويين من الدخول ، يصبح بكل بساطة «فيدور ديال العرس» ويقاسمه الليل شلته وأذنابه من صغار المنحرفين يعملون تحت سخرته، بينما هو يتجرع أقداح النبيذ ، ويشعل لفافات الحشيش تباعا». ما جعل لقب الفتوة يليق به ، هو كونه كثير العراك من أجل أبناء وبنات الحي ومعروف بشدة بأسه و عراكه، لا يأخذ مقابلا إلا عربون مجاملة من السكان تطوعا « هاك آ...فلان... خذ آفلان باش تشري لكارو. آجي هاك دي الدار ...وهكذا » قليلا ما يلجأ إلى اعتراض سبيل بعض الساكنة ، محييا ، مستلطفا فإذا حيى فهذا يعني أنه يريد مساعدة ما. ظل فتوة با الطاهر ظل فتوة، ضاعت معالمها مع مر السنين، وخبت نارها على صقيع الشيخوخة والكبر، فتوته صاغتها مرحلة ما في تاريخ المغرب، لم يتسطع لحد الآن أن يتخلص من صورها التي تدفئ أيام شيخوخته الطويلة والرتيبة ، باالطاهر قد يكون جاوز التسعين من عمره ، اختلطت الأسماء والوجوه والأحداث في ذاكرته ، لكنه كلما تعلق الأمر ببطولاته في القبيلة كفتوة، إلا وانتعشت جوارحه وومضت عيناه، مشعة ببريق جميل هادئ تهدهده ابتسامة عفوية « في القبيلة ، كان عندي العود لزرق..دكالة يا دكالة ، أنا سبيطي .كنت بسلاحي تبوريدا والسلاح ، كنت خطاف الشيخات ، الشيخة لمخايرا ،إلا جيت أنا نديها، شياخ بكري كانو بين دواور دايعين » في وجه هذا الشيخ بقية كبرياء لرجولة كانت تقاس بالسطوة والجبروت والقدرة علىالإغارة، النهب والسلب وحماية القبيلة من جبابرة القبائل الأخرى «كنت إلاركبت عل العود تبان الطريق ولو فزحام السواق، لعرس بشواري ، الوزيعة برضاتي و لقسمة بعودي» المعيار الوحيد الذي جعل با الطاهر يصبح فتوة قبيلته ، هو قدرته على البطش والقتل والظلم، ولكنه كان إلى جانب ذلك كريما يعشق «الليالي الحمراوات » ويسهر على أمن القبيلة وحدودها ومراعيها وجنانها ، لم يكن يأخذ مقابل ذلك إلا احترام الجميع «وي ديرو بحسابو » لهذا كان يغضب أشد الغضب حينما يعقد أمر دون حضوره وزواج دون إذنه وطلاق دون استشارته. وظلت صورته وتاريخه حكيا يحكى على دفء النار في الأيام الباردة ،يحكون مع مزيد من الخرافة ،عن رجل كان يقفز الخيام بفرسه وقتل السباع ، حارب وحده قيائل مغيرة ، واستمد قوته من « أخوة»ٌ غرائبية للجن ، يعري با الطاهر عن تاريخه ،فيحكي عن صولات رجل لعبت قوته وصلابته وشدته وشجاعته دورا كبيرا في تحويله أسطورة « ما مخاوي جن ولا عفريت ،غير لكان كيظل في الخلا و يبت كيحسبوه عيش مع الجنون». خارت قواه ووهنت عظامه و فقد مصدر فتوته ولم يبق منها إلا قصصا متناثرة ، يوزعها هنا وهناك ، دون سؤال ولا استفسار باحثا دوما عن متلق جديد لا يمل من الحكي والسرد عن زمن مضى برجاله وحكاياته. خالد أخازي الاحدات المغربية

الخرافة وسلطتها في اليومي الانساني

السبت 12 مايو 2007
الخرافة وسلطتها في اليومي الانساني الخرافة تسكننا وتمارس سلطتها علينا رغم انفنا، كثيرا ما نعبر عن كوابيسنا وضغوطاتنا النفسية التي تتحول ليلا في دهاليز النوم إلى معركة مع كائن لا يوجد إلا في خيالنا، فيصبح «بوغطاط» جزءا من التعبير اليومي عن اضطرابات نفسية عصبية مؤقتة، لكن بدل البحث عما نغص علينا صفو ليلة صعبة، في تراكمات اليومي، نكتفي باتهام كائن صنعته جداتنا في الليالي الباردة وظل يسكن لغتنا وفهمنا «جاني بوغطاط»। «تمنيت أن أرى «بوغطاط» هذا الكائن الذي كان يجثم على صدري في بعض الليالي ويمنعني من العبور إلى الكلمات، فغادر حجرتي مذ نصحني صديقي بعدم تأخير العشاء، فأدركت أن هذا الكائن يخرج من طاحونة معدتي المتعبة ليلا...» هذه عبارات رجل انتصر على بوغطاط، بينما لازال آخرون يرشون الملح في المطارح قبل رمي الأزبال ونساء يمتنعن عن أشغال البيت في ساعات معينة من اليوم احتراما للجن أو خوفا من «تصادم في الممرات» وآخرون تأخذهم الرعشة عندما ينفلت إبريق ماء ساخن من يدهم فيسيل الماء الساخن الحارق على الأرض أو نحو المجاري خوفا أن يصادف هذا الإهراق عائلة من الجن، فيحترق صبي منها، فتنتقم الأم أو الأب «بتعويج» الوجوه وتشنج الأجساد ...حكايات متنوعة مع الخرافة تجعل الإنسان يفكر أكثر من مرة قبل أن يطأ بقدمه شبر ارض قد يكون مأهولا بمخلوقات لاترى، لكنها تحرق وتنتقم وتغضب و... تنتهي أشغال هذه السيدة المنزلية بحلول العصر وتوصي بناتها بإلحاح بسلك سلوكها والاقتداء بأعرافها حماية لهن من ضربة جني أو جنية تم إزعاجهما خلال زمن مخصص لسكان العالم اللا مرئي من جيراننا من الجن «ماتشطبوش ورا العصر». وحينما نحاول أن نفهم لماذا تشل الحركة عند العصر في هذا البيت، ندرك أن هذه السيدة تنظر إلى عالم الوجود على أنه وجودان متوازيان متجاوران منذ الأزل، وجود للإنس ووجود للجن، وكأن هناك تعاقدا قديما بين الشعبين/الأمتين /الجنسين تناقلته الرواية الشعبية ولازال حاضرا في السلوك اليومي لبعض النساء... بعد العصر يتحرك الجن ويخرج لأشغاله «نقدر نكون نشطب ونتعدى عليهم، حيت هما عايشين معانا أوما كنشوفهمش» حذار، أيتها النساء، فعالم العفاريت والأشباح يفتح بوابته عند العصر، حسب هذه السيدة ، فعطلن مكنساتكن حتى الصباح، وامنحن المجال لهؤلاء اللا مرئيين، فزمنهم قد انطلق. الماء الساخن الذي يحرق سكان المجاري تنقص الشجاعة عدة أشخاص، ذكورا وإناثا لصب الماء الساخن في المغسلة أو المجاري، أو حتى على الأرض، بل متعلمون ومتعلمات، يأخذون الحذر كلما تعلق الأمر باستعمال الماء الساخن، يعتقدون أن الجن والعفاريت يقبعون في مكان ما في هذه المجاري بل يفضلون عالم «القرقارات» الضيق. وتصر ليلى أن زميلة لها «تعوجت من فمها» بعدما صبت الماء الساخن في «لافابو» والفقيه شرح الأمر وهو يفاوض الجنية التي انتقمت من صديقتها «تعدات عليهم، حرقات واحد الجن صغير من ولادهم». وعزيز المدرس نفسه لايستطيع السيطرة على سلوك يقوم به بدون أن تكون له القدرة على تغييره «كيشيط لي الماء السخون، كنبغي نكبو في بيت الماء، كنزيد فيه الماء بارد، الله يستر نخاف لنحرق شي جن». تمتنع هذه الشابة عن بعض المهام المنزلية، فور غروب الشمس، جامعية وتمتلك مكتبة غنية، تسكن رفوفها أفكار نيرة وجريئة من «عقل نيتشه» و«وجودية سارتر» وشظايا أنوثة متمردة عن العقل الذكوري وارتهان «الكائن اللطيف» لواقع التخلف لكن رغم ذلك فهي تسقط ضحية سلطة «الأسطورة» التي لم تكنس هواجسها سيل الكتب التي تؤسس لقطيعة مع الخرافة والتي كانت تلتهمها التهاما دون أن تشرق شمس أفكارها العقلانية على شواطئ نفسها المظلمة بجهل «الخرافة». الملح السحري تعود عمر في طفولته أن يحمل قمامة البيت إلى مطرح عشوائي في ضاحية الحي، لكنه لم يكن ليقوم بهذه المهمة الشاقة والمرعبة لولا تسلمه حفنة ملح، كانت تضعها أمه في يده قائلة «رش الملحة عاد لوح الزبل». يبتسم عمر هذا الطبيب البالغ من العمر الآن 42 سنة والمتزوج منذ عشر سنوات مضيفا «الملحة في تصور الوالدة كتجري على الجنون، حيث هما ما كيكلوا غير المسوس». وظل عمر يرش الملح في المطارح قبل رمي زبالة البيت، إلى أن «حن الله على الدرب ديالنا ودارو الطوارو». ويكن عمر احتراما وتقديرا خاصا لهذا «الطارو» التاريخي الذي أعفاه من رحلة يومية نحو مطارح عشوائية، تسكنها المردة والعفاريت ويضطر لرش الملح على رؤوسها «المختفية» لتغادر المكان «طالبا منها شرع الله». بوغطاط شبح النوم يشعر بعض الناس بثقل كبير يجثم على صدورهم ويقطع أنفاسهم ويمنعهم من الصراخ ويشل حركتهم ، فيحاولون عبثا الصراخ لكن الكلمات تظل حبيسة في الصدور فينخرطون في معركة ضروس وهم في عمق نومهم من أجل طرد هذا الكائن الليلي الذي قد يحول نومك إلى جحيم «بوغطاط» هذه الشخصية الخرافية التي تحولت مع الزمن إلى وصف جامع شامل لهذا الخناق الليلي والشلل العام في الجسد والجوارح والوعي بالحالة دون القدرة على تجاوزها. الكل يتحدث من حين لآخر عنه «جاني بوغطاط هذ الليلة»، «كرفسني بوغطاط هذ الليلة» بحثا عن تفسير ملموس لتلك الحالة النفسية والعذاب الليلي الذي يعيشون تحت وزره دون أن يتمكنوا من فهم ما يقع لهم وبالتالي يتحول هذا الكائن الخرافي إلى مشجب يعلق عليه الجميع كوابيس الليل وحالات نفسية وعصبية يعيش تحت تأثيرها النفس البشرية ويتجاوب معها الجسد فيما يسمى الآثار السيكو-جسدية. وبوغطاط كما صاغه الخيال الشعبي في ثقافتنا الشعبية لا يرى، لكننا ونحن صغار اجتهدنا في رسم صورة مادية نجسد في معالمها هذا الزائر الليلي غير المرغوب في زيارته، والذي يجيد شل الشعور وجارحة الكلام. ويكفي أن نحرك الجسم لينسحب بعيدا...بعيدا، فتخيلناه بسلهام أسود ضخم الجثة يستغل الظلام لينقض على النفوس المتعبة من شقاء الأيام «بوغطاط بريء من مخاوفنا التي تتحول اختناقا ليليا، بوغطاط بريء من متاعبنا وضغوطنا اليومية التي تعبر عن نفسها في فوضى المواصلات العصبية ليلا، بوغطاط بريء من كسل معداتنا التي يرهقها العمل ليلا في جسد متخم غارق في الدهون فيعلن ضغط الساعات الإضافية لمصنع المعدة الليلي تمردا في بعثرة رسائل الجهاز العصبي، الأنكى من هذا مخاوف الصغار ورهاباتهم التي تعبر عن نفسها ليلا بواسطة بوغطاط البريء من اتهاماتنا لأنه بكل بساطة لم يوجد إلا في خيالنا الذي لما يعجز عن الفهم يخرف....بدل ان نبحث عن نبع الخوف نحمل المسؤولية كائنا، يتهم ولا يستطيع أن يسمعه أحد أيضا حينما يصرخ من خلال ومضات العقل «خليوني ف التقار أنا مامجودش بعد ....لست موجودا»». نوبة صرع في الشارع العام والبحث عن المفاتيح كثيرا ما نقف على مشهد مأساوي لشخص ذكر أو أنثى صبيا كان أو راشدا، يسقط في الشارع العام بسبب نوبة صرع، يتحلق الناس بينما تتشجنج عضلات المصاب ويترنح جسده ويرغي فمه وأحيانا يصدر أنينا عميقا، يتقدم أحد الفاهمين ويسأل في ثقة «شكون عندو سوارت» فيتم وضع سلسلة من المفاتيح بين أصابعه، في انتظار أن يقهر المعدن هذا الجن من الذكور أو الإناث فيغادر الجسد المترنح «مسكين فيه المسلمين». المسلمين في لغة العامة هي تلك الأرواح الشريرة التي تعصر الجسد والقلب والنفس فتحول كائنا هادئا إلى بشر لا يشعر بما حوله، قد يتعرى ويتخبط في التراب، يعيش المسكين نوبته، وحينما يسترجع الشعور يمضي إلى حال سبيله، والكل مدين للمفاتيح القاهر معدنها للجن، بيد أن الصرع مرض مرتبط حسب المختصين بشكلين من الأعراض، إما خلل في جرعة الشحنات الكهربائية في المخ، وتوجد أدوية قادرة على تنظيم هذا الخلل، الذي يرصده جهاز القياس الكهربائي للدماغ، وفي حالة عدم وجود هذا الخلل العضوي، فالحالة تصنف ضمن «الهستيريا» وهناك أدوية خاصة بها، ومن جديد فالكائنات الخفية بريئة من غرائب وظائفنا الجسدية. غرائب بعض الأواني المنزلية تعتقد هذه الأم أن بعض الأواني المنزلية لها تأثير ما على القدر والمستقبل، فالضرب «بالمغرفة» شؤم لا مفر من سلطته في بعض الأوساط العائلية. فضربة طائشة لمغرفة قد تحكم على فتاة بالعنوسة وعزوف العرسان عن دق باب بيتها. وتتحاشي بعض الأمهات وهن يكنسن، توجيه ضربة للبنات بهذه «الشطابات» التي لها تأثير على مصير البنات اللواتي يصبحن بفعل ضربة المكنسة، كالزبالة لا أحد يرغب فيهن وبالتالي تتماهي صورتهن وصورة ما يكنس من البيت لتفاهته، فما يرمى «شياطة» وهذا التقابل بين فعل المكنسة وقدر الفتاة عقيدة اسطورية حاضرة لحد الآن في عدة أوساط. حكمت الأقدار على هذا الرجل أن يلج السجن في قضية تزوير، ما إن عاد مرفوقا بزوجته، حتى وقفت العائلة على عتبة المنزل وكسرت «إناء من الطين» ووضعت غربالا تحت قدميه ليطأ على شبكته. وتعتقد هذه الأسرة أن كسر الإناء الطيني وخرق الغربال طقوس العائد من السجن، وهي تعاويذ تجعل الحدث المأساوي لا يتكرر . خالد أخازي الاحدات المغربية

السبت، مارس 29، 2008

لوحتان للفنان التشكيلي المغربي العالمي محمد البندوري

اشتغل أستاذا باحثا في مجال الفنون التشكيلية والخط العربي، حاصل على دبلوم الإجازة العليا، و دبلوم المركز التربوي في الفنون التشكيلية. رئيس نادي البشير للفنون التشكيلية، ورئيس مؤسس للرابطة العصامية للفنون التشكيلية والخط العربي .مؤلف مقالات و كتب في الخط العربي والفنون التشكيلية.يعتبر أول من وظف الحرف المغربي بأبعاده الخمسة خارج الإطار الكلاسيكي، وأول من مزج حروف تيفيناغ بالحروف المغربية لاستنطاق التراث بشكله العامكما كان أول من وضع قواعد الخط المغربي ( الزمامي ) و ( المجوهر )  عضو الجمعية المغربية التابعة للهيئة الدولية للفنون التشكيلية عضو للجمعية الأوربية فن بلا حدو
د عضو ممارس بدار الفنانين التشكيليين بفرنسا  عضو هيئة أكريوم التشكيلية بأوربا عضو لجنة التتبع الثقافية والفنية بأوربا
 عضو لجنة أبكانت الفرنسية للفنون الإحصائية في الفنون التشكيلية
 عضو هيئة أرت ستي للفنون التشكيلية بفرنسا
 عضو هيئة أرتونسيون للعروض المزادية للفنون التشكيلية بأوربا
 عضو برازارت الاوربية للفنون التشكيلية
*عضو شرفي بجمعية أسوسياتيف آرت بوان دوسيسبونسيون التشكيلية بأوربا
 عضو منسق بهيئة أطونوميك الفرنسية أستاذ مؤطر بنادي التربية الجمالية بمراكش
مؤطر لعدة ورشات تشكيلية أكاديمية محلية ووطنية
المصدر مجلة الفوانيس

الجمعة، مارس 28، 2008

عطب الروح على قارعة البوح...

إلى خديجة علها تذكر أن وسامتي في حماقتي...

عطب في الروح...

وهل الروح غير هذه الضوضاء الجميله؟

في العقل...على تخوم العيش الرتيب....

غير هذا الدفق في الحياة ...

بعد تيه و جدب و نحيب...

ما الروح ؟

غير هذا الامتداد في الزمان...

عند نهاية الزمن ؟

وحدها القصيدة....

تمنح الخلود ...وجذوة الاستمرار॥

جسد مستلب...

خمره ووهم قبل النوم...

خلته نوما....

أتراه سقوطا على ضفة الثمالة॥

آه...أين الغفوه...؟

عطب في الروح....

لا مشرق ولا غروب في الأفق.....

وكأس أخرى تصحح حول العقل....

و تمني الكلمات بفتح جديد॥

أين بوصلة القلب؟

هشمها مد بحر من جهة الحائرين...

قصيدة مستعصية على الصحو...

كأس في أول الليل...

ومطلع قصيدة عند الفجر...

النحاة والمحنطون على قارعة الطريق...

يتربصون بالقول ...

عله....

يغفو على مركب البوح...

فيعصرون زيت الصيغ...

ويراجعون طابور الكلمات...

وقناصون من خرق الشعر...

بفتشون عن البحور॥

عن العلل عن الزحافات....

ويسمون الكلام حسب الكلام...

يوزعون تأشيرات السفر॥

ولا يسافرون...

عطب في الروح...

وجسد يجمع أشلاءه عند منتصف الليل...

وحانة حائرة...وحيدة

تلفظني ॥

قصيدة ممتنعة عند عتبة المخاض...

على الباب عسس من كل خرائط القول القزحي....

عطب في الروح...

والجسد يعانق طيف خمره...

عله يعطل ألما ...

أو يؤخر خوفا من ورق॥

عطب في الخيال...

لا امرأة تعيد للشجر زهره....

تصحر مستمر...وقصائد عطشى॥

أين سحاب الروح...؟

أين امرأة من عينيها

يغزل السحاب صوف همره.....؟

عطب في الروح....

ومعنى جميل تضيق به الكلمات....

أين المرأة مشتل الكلمات....؟

خمر وسرقة في غفوة العقل....

لمعنى يضحي بينابيعه...

من أجل استمرار القول المغاير....

من أجل خرائط جديده....

للقول॥للكلام المدثر بالأجرام।

28/03/2008 البيضاء

المهدي المنجرة...تناغم مع الذات والفكر...ورفض قاطع لكل مساومة على استقلالية المثقف والعالم

خبير ممنوع في وطنه
مهما تحدثت عن الأستاذ المهدي المنجرة...لن أوفيه حقه حتى في ملامسة سيرة مقتضبة من حياة عالم..رفض كل الاغراءات ورفض حضور عدة منتديات ومؤتمرات دولية لا تتحقق فيها شروط الاستقلالية....استقلالية الفكر...العلم....عن الدوائر الرسمية...كان حاضرا بقوة بفكره كمناضل عضوي يلتقي مع آلام الشعوب المضطدة والمستنزفة فكرا ...اقتصادا... تاريخا...والمضللة حتى في وعيها لأزمتها وتاريخها....مجاهرا بدون مراباة بأساليب الهيمنة الامريكية الجديدة ...متحدثا أكثر من مرة عن أعطاب الأنطمة العربية في علالقتها مع شعوبها....صورة المهدي المنجرة....كعالم المستقبليات أقل بكثير من ملمح عالم متعدد فد مناضل ..حقوقي..فضل العيش بمنحة هزيلة في اليابان على رغد وترف المؤسسات اللأكاديمية الرسمية....عطوف...لا ينسى أصدقاءه....متواضع لا يغضب إلا عندما يشعر أن وقار وشرف العالم مهدد بتطاول الإداريين والبيروقراطيين.....هوممنوع في بلده....لكن من الصعب أن يمنع من أن يكون حاضرا كمرجعية علمية وكعلامة مضيئة في بناء صرح العدالة الإنسانية والحقوق... خالد أخازي

الأربعاء، مارس 26، 2008

صباح انكشاف الانتحاري الذي قضى ليلة تحت سرير بحي الفرح

على هامش أحداث انفجارات حي الفرح : أســربـاتت فـي العـراء وأخرى خربــت بيوتـهــا جريدة الأحداث المغرية خالد أخازي الأحد 15 ابريل2007
الساعة تشير إلى حوالي التاسعة والنصف من صبيحة يوم الخميس، بعض رجال الأمن يرابطون في الزقاق رقم 48 من حي الفرح، هدوء شبه تام، بعض النساء في عناق وهن يتفقدن متاع بيوتهن «على السلامة، حفظ الله وليداتنا من الباس»، الكل ينتظر عودة الحياة العادية لهذا الحي الذي شهد ليلة ويوما طويلين من الفزع الأعمى، المقاهي التي أغلقت بدأت توا توزع كراسيها على الرصيف، والرواد توزعوا على بعض الطاولات يقرؤون الصحف، بعض المطاعم الشعبية، تتهيأ لإعداد وجبات شعبية يعرفها أهل هذا الحي وزواره، وحياة شبه عادية بدأت تدب في الأزقة والدروب والبيوت، التي بدأت تفتح نوافذها على الحياة . النساء على الخصوص يتفقدن آثار مداهمات الشرطة على السطوح والأدراج والغرف ، على السطح الذي انفجر فوقه الانتحاري الأول. أسرة الشرطي بومهادة تتفقد أثاثها وسيدة تحمل في يدها كيس دواء، تقول :«من لبارح ماخذيت الدوا ديال السكر»، بينما سيدة عجوز جالسة على عتبة أحد المنازل، وعلامات الخوف والمرض لم تفارق محياها، «أنا مريضة وعندي الطانسيو، داري مابقاو فيها بيبان ولا شراجم». الشرطي الشاب ابن صاحب المنزل الذي سقط جزء من جداره، تطوع لحماية الصحفيين الإسبانيين «بغيت غير نلبس كسوتي، ولكن الدار كلها رايبة».. في حديث مع أخته وبعض إخوته. على السطح ، خراب وآثار دماء جافة على حبل الغسيل، علامات الإستغراب تقفز من عيون الصحفي الإسباني ومصوره يصر على أخذ صور للدمار والعيون المفجعة والأسر المكلومة، سيدة في الطابق السفلي للمنزل، تبحث في غرفة من غرفها عن شيء ما «بغيت الدوا ديال بنتي، عندها كريز ديال الضيقة، وخليتها عند مي ومبقاتش بغا تجي لدار»، الشرطي الذي لم يغمض له جفن وعلامات السهر بادية على عينيه يقول «هنا انفجر الإنتحارى الأول، وأشلاؤه وصلت إلى السطح الآخر، وبقايا كيس بلاستيكي لازالت على السطح»، «هذا طرف من ذاك شي لتفركع» على السطح قبعة حمراء مخططة بالأحمر ، أحد الجيران يشرئب عنقه من السطح الآخر «راه كاسميطا ديالوا بقا هنا » ، مرة أخرى يؤكد الشرطي أن الشرطة لعبت دورا كبيرا عند إفراغ المنازل من الناس ، بينما يؤكد انه يشك بأن انتحاريا وصفه له ويقول لم يغادر حي الفرح بعد»، قاصدا الإرهابي الذي كان رفقة الذي انفجر على السطح . ويشير إلى نافذة ، تؤدي إلى المنزل رقم 147 «من هنا يمكن يسلت واحد فيهم عندو لحيا خفيفة، باقي مابانش»، يؤكد كلامه أحد المخازنية القاطنين قرب منزل الطبيب «كانو جوج، واحد غبر، واحد تفرقع ، هذا لي سلات هو لسمعتو تيكول، لاخر طلقها عليهم، عاد مشا حدا الحايط وتفركع».. من بعيد عيون تتطلع من نوافذ مهشمة ، وتستطلع الوجوه عبر الشقوق ، فجأة، تغلق النوافذ المتاخمة، وتبتعد الأجساد عن الَضوء الداخل من النوافذ والكوات. عودة غير مكتملة إلى البيوت بينما يتفقد الناس بيوتهم ومنازلهم في محاولة لترقيع الإعطاب التي أصابت الأبواب والنوافذ وشبكة الكهرباء ، يرتفع صراخ حوالي الساعة العاشرة، ويتحول الزقاق من جديد إلى جلبة وفوضى عارمة، وينتشر الذعر سريعا، فتغلق المنازل والنوافذ والمقاهي، على صياح مدو لشاب يهرع خارجا من المنزل رقم 179 «ها هو واحد منهم خرج من الدار ، راه، راه كان بايت لداخل» يؤمن الشرطي ابن صاحب المنزل سلامة الصحفيين الإسبانيين، وينزل أدراج المنزل ، ويقف أمام المنزل مانعا الناس من الاقتراب من الباب «لا تخافوا»، في الشارع يركض رجال الشرطة ، بينما بعض الشباب انطلقوا صوب الهارب في عدو جماعي ، يمر الإرهابي في عدوه السريع أمام شاب، كان يقف في زاوية أحد الدروب ، أمام منزله، صراخ الجماعة المطاردة للانتحاري ، جعله يلتحق بهم ، متعقبا الهارب ، ينعطف على جادة الطريق. يمينا ثم يصيح «شديتو شديتو». لم يكن هذا الشاب الطويل الأبيض السحنة غير أحد أبناء الحي الذي صنع حدث هذا الصباح لينضاف إلى قائمة المواطنين شبان أبطال من الحي. الصديق، البالغ من العمر ثلاثا وثلاثين سنة، متزوج وأب لطفلين ، عاطل عن العمل منذ تم تسريحه من عمله كلحام، لم يمنعه فقره ولا عطالته من التصدي للإرهابي الهارب وإحكام قبضته عليه بذكاء من خلال شل حركة يديه أولا ، ثم التحقت به الشرطة توا لتفتيش خصره ، بحثا عن حزام ناسف، لكن لم يجد غير حبل مطاطي صالح لتثبيت الحزام الناسف ، يزج به في سيارة الشرطة ، التي تنطلق بسرعة بينما لم يعرف حي الفرح بعد حضورا مكثفا لرجال الأمن. يعود بعض أبناء حي الفرح قرب المنزل رقم 149، «طلقونا عليهم» يصيحون في غضب، في هذه اللحظة، تنطلق مظاهرة جماعية عفوية لشباب المنطقة ، منددين بالإرهاب محتفين بالصديق العسري، وباقي الشباب الذين طاردوا الإرهابي وحاصروه منذ انطلاقه هاربا من الغرفة التي أمضى فيها ليلة طويلة في انتظار فجوة الهرب. انتظر السكان هذا الصباح، بفارغ الصبر، العودة إلى منازلهم. امرأة رفقة أبنائها الصغار تخاطب شرطيا «اسيدي بغيت نمشي نشوف داري، راني عييت من البيات عند الجيران»، ينصحها الشرطي بعدم الإقتراب من الدرب «سيري بعيد آلالا، بعدي عل الخطر»، تسقط أخرى أرضا ويغور بؤبؤها في بياض عينيها ، مغمى عليها ، ترشها فتاة برذاذ من كوب ماء. ويتحلق الجيران حولها ، يتبادلون أطراف الحديث. شابة في محاولة لإختراق الجموع ، تردد «واش غانباتو عاوتني برا ..عيينا من لمكلا ديال زناقي» وأصوات أخرى، تقترب من دائرة النقاش «رجل يقطن بجوار المنزل الذي اكتراه الإنتحاريون يردد أمام المحتشدين «داري كاع تخربات، وولادي ولاو خايفين ،إجيو إباتو هنا ، أو زايدون خصني بزاف الوقت باش نصلحو الشراجم أو لبيبان » ، يتقدم شاب رفقة جدته وقد بدا العياء عليها واضحا «واش كاين عندكم الضو أنا شعلت الضوء فالبيت أو مشعلش»، يجيبه أحد الشباب المتواجد بالزقاق «بلا ماتكرفس راسك ، راه تسوطا مع التفركيع». تهرع سيارة الإسعاف نحو المرأة المغمى عليها، تنقلها نحو المستشفى، بينما تتحدث بعض النسوة عن امرأة حامل جاءت ضيفة من الرباط عند إحدى الأسر ونقلت إلى المستشفى ليلة الأمس ، «راه هي ليكانو عاطينها الأوكسجين فسبيطار لبارح فالليل»، تقول مضيفتها، وهي تشرح لجاراتها اللواتي ابتعدن عن البيوت ، خوفا من انفجار مفاجئ. رفع شيخ عينيه بعيدا نحو أحد السطوح متوجها إلى جاره بالحديث «شوف، الحايط تشقق ديال الدار ، نخاف نرجع ويطيح علينا»، تتناول امرأة فطورها صحبة طفلين على الرصيف ، بينما تسأل أخرى طاعنة في السن ، زوج ابنتها «واش جبتي لي الدوا؟»، يرد عليها في غضب «منين غادي ندوز لدار لبوليس عاوتني سدو الطريق، مخلاو حتى واحد إدوز...» يبتسم أحد الشبان للمحتشدين ويقول «كون غير جمعونا فشي أوطيل حتى يساليو ويرجعونا، عيينا من تجلويق». تمنت العيون الكثيرة أن يغمض لها جفن في أسرتها التي ألفتها، وتمنى المرضى والعجزة الذين خرجوا من منازلهم على غرة أن يتمددوا في أفرشتهم ويتناولوا أدويتهم التي تركوها وراءهم ، وتمنى الذين استنفدوا نقودهم أن تنقشع هذه السحابة، ليعودوا إلى غرفهم، وبعدما غلبت الوجبات الباردة معدتهم وجيوبهم، لكن كثيرين منهم، وجدوا البيوت التي تركوها بلا ملامح ، خراب في السطوح وجدران مشروخة ، ونوافذ منزوعة، أثاث مبعثر، وهدم منتشر كخراب الزلازل، لكن الأقسى من كل هذا، المرضى الذين افتقدوا الدواء والفراش والأمان، والأطفال الذين رفضوا العودة إلى البيوت مع آبائهم، بعدما غيرت الأشلاء المنتشرة ودوي الإنفجار نفسياتهم ،وفقدوا هدوءهم ومرحهم ، عبثا تحاول أم أخذ ابنتها إلى الزقاق ،بينما الطفلة تبكي في هيستيرية «لا ، لا عافاك، آماما». سلسلة بشرية على عتبة المنزل، من حيث انطلق الإرهابي هاربا، وقف بعض رجال الشرطة مانعين المحتشدين من الإقتراب، الشرطي ابن الحي، يصرخ «ادراري عاونو لبوليس، متخليوش الناس يقربوا من الدار»، من جديد، يتحول بعض الشباب إلى متطوعين، يشكلون سلسلة فاصلة ، بين المنزل وباقي الفضاءات ، همهمة بين الناس «باقي شي واحد هنا» . في هذه اللحظة ، يظهر ضابط بزي أزرق «سير بدل علي ديك الكسوة» . مخاطبا الشرطي ابن صاحب المنزل الذي وقع على سطحه انفجار الفجر المشهود، «راه حوايجي ، في دارنا ليتريبات» «سير شريهم» يطأطئ الرأس ، ويغيب عن الأنظار في معطفه البوليسي ، هذا الشرطي الذي ينتمي إلى شرطة الدراجات ، وتبخر حماسه ونسي الجميع أنه لم ينم ليلة كاملة وظل يجوب السطوح ، التي يعرفها ، في الحي الذي تربي فيه وخبر أزقته ومساربه ووجوهه، يغادر المكان وقد سلب منه كبرياؤه أمام أبناء حيه . الإرهابي الناجي يقتات من طعام الأسرة تحكي سيدة والكلمات تتعثر بين شفتيها، ورعب عميق يخيم على عينيها، «جيت نخمل البيت ، بانو لي رجلين تحت الناموسية، مني طلينا شفناه غواتنا ، هو يخرج كيجري»، يؤكد الساكنة المجاورة أن هذا الإرهابي الذي اعتقل هو الذي كان معروفا عند صاحبة المنزل ، ورأوه فوق السطوح ،قبل أن يختفي. وتساءل الكثير منهم كيف اختفى من الفجر إلى ساعة هروبه، كيف توارى عن العيون مدة يومين ... كيف.. كيف ... أسئلة لاكتها الألسن وأخرى كتمتها الصدور . يسر أحد سكان المنزل أنه غير ملابسه ، التي لمحوه يرتديها ذاك الفجر من خلال عيون ترصد مطاردات السطوح من النوافذ القريبة، «السروال لي لابس ديال .... والسباط لكحل حتا هو، قلب في الحوايج ولبس بلغة وسروال كان قصير عليه، مني شدو الصديق». تحت السرير في إحدى الغرف قضى الانتحاري ليلة الخميس الطويلة، حينما كان أصحاب البيت عند الأقارب ينتظرون العودة الآمنة إلى منزلهم ،صامتا هادئا، منبطحا على ظهره، وعلى مقربة من السرير جلس بعض الشباب إلى حدود ساعة من الليل، وتمكن من التحكم في جسده وأنفاسه فلم يثر ضجة ولا حركة مشبوهة ، قبل مغادرة المنزل، استعمل قنينة للتبول و استنفد ماتبقى من طعام الأسرة في الثلاجة، وانتظر ...انتظر أن يفتح الباب، ليجد فرصة للهروب ، لكن إغلاق الباب بإحكام فوت عليه فرصة الهروب ليلا أوفجرا.. مر وجه غير مألوف لشباب في الزقاق ، يحمل كيسا في يده و يضع «قبية» كأنه يريد عدم كشف وجهه، يتقدم منه شاب، «شكون أنت»، لم تمهله الشرطة للجواب، قلبت كيسه فوجدوا «كندورة» وحذاء رياضيا ، وهو يقول في خوف «جيت غير نبدل حوايجى»، فضلت الشرطة التحقيق معه في مكان بعيد ،أخذته سيارة الأمن ، ليصل الخبر فيما بعد الزوال ، أن لا علاقة له بالخلية الإرهابية . الانتظار والترقب .... حوالي الساعة الحادية عشرة، امتلأ المكان بالشرطة، وبرجال القوات المساعدة والوقاية المدنية وتم وضع الحواجز من جديد، وتقاطرت وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية. لقاءات وحوارات هنا وهناك، ووكالات أجنبية تستعين بالشباب المتعلم بالحي لتزويدها بالمعلومات، أحد الشباب المعطل، يجيد الإنجليزية ، أصبح توا مراسلا لوكالة دولية عبر مراسلها بالرباط، «الكل يبحث عن الحقيقة فيما جرى هذا الصباح لكن الحكايات تناسلت والبطولات تنامت وتنوعت، وكاميرات مختلفة تترصد من بإمكانه أن يحكي حكاية عما وقع ، في غضون ذلك بدأ المصورون الصحفيون يلتقطون صورا لشرطة بزي مختلف ورشاشات، يغضب ضابط للسيمي رفيع المستوى «واش حنا ميخيات باش تصورونا». من جديد شل كل نشاط بالحي، وغادرت الأسر التي التحقت بمنازلها ليلا بيوتها خوفا من كارثة محتملة، أغلقت الدكاكين والمقاهي وتعطل كل نشاط تجاري بالحي والأزقة المجاورة ، بعض الكاميرات تبحث عن الصديق العسري الذي بدا متعبا شاحبا ومنهكا، من كثرة الأسئلة، وظل الجميع ينتظر شيئا ما، لا شيء غير الانتظار، الانتظار، إلى حدود الساعة الخامسة والنصف. سيارات الشرطة المألوفة مرفقة بسيارة أخرى تحمل علامة «المركز الوطني لترويض كلاب الشرطة» تحل بالمكان ، وتعيد للفضاء أسئلة جديدة وحرارة جديدة في حشود الصحافيين في ساعة بدأ الكل يفرك يديه من الانخفاض المباغت لدرجة الحرارة ، وتتقدم الحشود ...خصوصا من الصحفيين الذين رابطوا بالمكان دون أن يصيبهم ملل انتظار المجهول، خصوصا وأن رجال الأمن قاموا بعملية تمويهية لتفريق الحشود ، عندما خففوا أعدادهم ،وأعطوا انطباعا للجميع بأن كل شيء انتهى عند الساعة الخامسة ، تقدمت الكاميرات نحو سيارات الشرطة القادمة، بدأت الكلاب المدربة تقفز خارج السيارتين تباعا، خمسة من فصيلتين مختلفتين مرفقة بشرطة خاصة تقتحم المنزل الذي قضى فيه الإرهابي المعتقل ليلة الأربعاء ، يسود صمت وانتظار ، والكل ينتظر في الخارج ما ستسفر عنه عملية البحث بواسطة الكلاب المدربة. طال الانتظار ، وبدا أن الكلاب تمسح منازل مجاورة، متاخمة، فجأة يخرج الشرطي الأول ، يأمر كلبه بالصعود إلى السيارة، العيون تتطلع إلى باب المنزل، والأعناق تشرئب وآلات التصوير تلتقط الصور ، فاصل زمني آخر قرابة نصف ساعة ، يخرج رجال الأمن مرفقين بكلابهم ، ويتردد السؤال «هل وجدوا شيئا». تنطلق سيارات الشرطة ، بينما يتنفس الجميع الصعداء لما اكتشفوا أن الكلاب لم تجد أي حزام ناسف أو بقايا متفجرات، خصوصا وأن السؤال العريض الذي كان يتردد، «أين ترك الإرهابي المعتقل حزامه الناسف» تغادر الشرطة حي الفرح، بعض القوات ترابط بالمكان حفاظا على الأمن خصوصا وأن رفع الحواجز أدى إلى مد جماهيري على الزقاق في جلبة وضوضاء من مناطق مجاورة وأحياء أخرى، حكمت الأقدار على ساكنة عدة أزقة بحي الفرح أن تقضي ليلة أخري في العراء، وعند الجيران ، وفي الفنادق، في الوقت ذاته فقدت عائلات أخرى السكينة وقررت مغادرة الحي التي اكترت فيه شقة منذ سنين، عاد إلى الحي هدوءه مع سقوط الظلال الأولى ليلة الخميس، ولم يجرؤ إلا قليل من السكان على العودة إلى المنازل، من جراء عمق الخوف وانتشار إشاعة وجود انتحاري آخر في الحي، وفضل الكثيرون قضاء ليلة أخرى بعيدا عن الزقاق ، الذي فقد فرحه مند أيام.

الثلاثاء، مارس 25، 2008

بروفايل أحد انتحاري سيدي مومن الناجين

نشرت هذا الروبرتاج لما كنت صحغيا بحربدة الأحداث المغربية الكاتب :خالد أخازي

قاسم يوسف الخودري أحد القاصرين الذين تراجع عن تفجير نفسه في آخر لحظة في مقهى الآنترنيت بالدار البيضاءضمن مجموعة عبد الفتاح الرايدي . والده محنة البحث عن لقمة العيش اليومية وسط زحام الباعة المتجولين وقاسمه الخوف اليومي من مصادرة السلعة. صغيرا لفظته المدرسة و تاه في دروب وأزقة البيضاء. تعاطى المخدرات الرخيصة، وعاد ذات يوم مؤمنا ملتزما بالشعائر، يقيمها بانتظام وحرص، الأمر الذي أثلج صدر الوالدين وأدخل الطمأنية قلبيهما... عاد ليقاسم الوالد جولة بيع النعناع ...رحلة شاقة ومعاناة يومية ... وحقد دفين ينمو كلما اطر للهروب والأب الضعيف وفي يدهما كيسا النعناع. أصبح جاهزا نفسيا واجتماعيا لأداء دور الكاميكاز، وسهلت جميع المفارقات والعوامل سقوطه بسهولة في براثين التطرف ... حقد يتنامي في رحلة الخبز بالسويقة و أب لا يتوقف عن رسم صورة العوز والذل يوميا أمام عينينه.. الطريق إلى براكة يوسف الكويدري لا شيء تغير في معالم دورار السكويلة، كل مؤشرات الفقر والتهميش والضياع قوية الصعود نحو أرقام مخيفة. مجارى مياه الصرف الصحي تنساب فوق الأرض مجاورة دكاكين متفرقة في الأزقة لبيع اللحوم والخضروات، أطفال صغار يلعبون في المطارح وبين الأزبال وطفلة صغيرة لم يتجارز سنها 10 سنوات تمر من زقاق نحو بيتها وقد بدت على هندامها معالم الحجاب الأولية، وجوه ملتحية وأخرى قهرها الخمر والمخدرات والبطالة وآخرون يجرون عرباتهم بين الممرات الضيقة القاتمة ، ونساء ينشرن حبات القمح على عتبات البيوت المظلمة وعلى مقربة من أنهار الًصرف الصحي...لا شيء تغير هنا في مزرعة القنابلالعميا ء منذ خرجت أول الخفافيش من جحور الجهل والفقر والبؤس ...لاشيء تغير غير مركبات سكنية جديدة متاخمة ومعامل جديدة تشغل يدا عاملة من مناطق أخرى .. في بيت عشوائي مكون من غرفة واحدة، ومطبخ بين الأزقة الضيقة العفنة لدوار السكويلة رأى يوسف الكويدري النور بين أحضان والدين فقيرين لا عمل لهما سوى التجوال في الأسواق العشوائية لبيع النعناع وإنقاذ حزماته من الحجز والهروب من المطاردات اليومية. ولد في عز أيام الربيع من سنة 1989. لم يبلغ ليلة اعتقاله سن الرشد القانوني وبالتالي نكون مرة أخري أمام قاصر، تم تجنيده وتحويله من مراهق يعشق تربية الحمام والأرانب والعصافير إلى قنبلة جائلة تنتظر التعليمات الأخيرة، لنشر برك الدم والرعب في مدينة الدار البيضاء. حيرة الأسرة لم تستطع الأم الشابة التي وضعته في هذه الدنيا أن تخفي دموعها وحسرتها على ولدها الذي فقدته مرتين مرة لما قرر مغادرة البيت منذ أسبوعين واضعا على ظهره حقيبته، ومرة لما وصلها خبر اعتقاله بعدما أقدم على المشاركة في عملية انتحارية، انحصرت دائرة ضحاياها، ولكن كبرت حلقات الأسئلة المحرجة من جديد لجميع الأطراف الأمنية في المغرب. فالمراهق خرج من جديد رفقة الإنتحاري الذي نسف محل الإنترنيت من رحم دوار السكويلة، من تناقضات البؤس والفقر وأدغال عالم تتجاور فيه الجريمة وأغاني الراى وأصوات تلاوة القرآن الكريم المنبعثة من الدكاكين البئيسة. تنهمر الدموع من عيني الأم «وليدي كان درويش كيعون باه»، في هذه اللحظة يخرج الأب المرهق بسنين التعب ورحلة البحث عن لقمة العيش في سوق متاخم لدوار السكويلة ويشهر كيسين «» شوف وحاد ديالي أو وحاد ديالو أنا كنبقا فالسويقة أوهو كيدور إبيع النعناع ». الأم عائشة حسني، لازالت علامات الشباب بادية على محياها، تزوجت وهي يافعة بالأب محمد الكويدري وأنجبت له ستة أبناء، رابعهم يوسف، وجد المعيل صعوبات جمة في تدبير متطلبات الحياة اليومية لأبنائه مما جعل الزوجة تقدم على مساعدته، لكن مرة أخرى الأمية سيدة الموقف، فيوسف لم يتجاوز تعليمه السنة الثالثة، وغادر المدرسة في ظروف مجهولة، بيد أن عوز الأب أكبر المحفزات لمغادرته المدرسة. البنت الصغيرة للأسرة الحائرة ترتمي في حضن الأم التي انهارت أمام مختلف الزائرين من فضوليين وصحافة مرئية وبصرية ومكتوبة و رجال الأمن والسلطة المحلية ، يغلبها البكاء، ولا تتوقف عن ترديد «كان كينعس حذايا وكيقفز بزاف فلليل ورجع نعسو . ولدي درويش، خرج عليه لاخر». وجوه كثيرة تتطلع إلى وجه الأم التي اختلطت مشاعر الحزن في وجهها ومشاعر الريبة والخوف «حنا غير دراوش ، سول الناس علينا» . من «شمكار » إلى قنبلة بشرية لا يخفي الوالد جزءا من حياته ابنه، فهو يقر أنه كان متشردا لعدة سنوات، يستنشق السيلسيون ويتيه في الأزقة والأماكن العمومية ليلا نهارا ولا يمكن أن يصدق أنه كان يتقن التواصل عبر الأنترنيت «هوا مقاريش، كيفاش غادي دير في لوردياناتور» يعزز عم يوسف عبد الكريم كلام الأب الذي يقفز الخوف من عينيه أكثر من الحزن والحسرة، ويفتح قلبه وبابه للجميع ببساطة ونية وتعاون ملفت الإنتباه «واش جوج سيمانات رداتو هوكدا، العجب هذا، يوسف درويش مقريش» يجمع الجميع من أفراد أسرته والجيران أن شخصية يوسف الكويدري انقلبت بشكل سريع دون أن يلمسوا أو يدركوا وقع التحول في محيطه ويعتقدون أن مغادرته للبيت منذ 15 يوما هي التي جعلته فريسة لغسل الدماغ كما تقول بصوت مرتفع زوجة أخيه «غسلوا دماغه وحولوه إلى ارهابي، ليعلم الجميع أنه لازال قاصرا لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره. لقد أثروا عليه لصغر السن والأمية». إن الجزء المهم من طفولة يوسف الكويدري تأرجع بين الإنحراف وشم السلسيون والقيام ببعض المهن البسيطة، ليستقر في بيع النعناع كمساعد لأبيه، وتجربته هي التي أوحت له بسيناريو التضليل الذي حبكه لما أوقفته دورية الشرطة ومثل دور الشمكار الذي كان يتقنه لأنه عاشه وخبره وشكل جزء من سيرة ذاتية قريبة جدا. علاقته بالصلاة علاقة أي مراهق، نهاه والده عن الإنحراف ووصاه بالصلاة ليخرج من «التسلكيط». لايتردد عليه أي ملتح ولم يسبق للأسرة أن عرفت أن له نشاطا دينيا ما، لكن انقطعت أخباره منذ أسبوعين، تاركا كيس النعناع وأبا يصارع الزمن القاسي لإعالة الأسرة رفقة أم تغلبها الدموع من حين لآخر. من هنا مر الظلام منذ سنوات عبر متناقضات اجتماعية واقتصادية وأسروية وامتطى في أغلب الأحيان عماء العقول لأفراد لفظتهم المدارس قبل الأوان. لا أحد شفع ليوسف الكويدري اختياره التحول إلى قنبلة تحصد الأبرياء للتعبير عن سخطه وتفجير حقد نما وسط العوز، لكن كيف استطاعوا الوصول إليه وتحويل حقده إلى صدر وطنه وأهله . أي وسيلة هذه غسلت عقلا في ظرف أيام وحولت صاحبه إلى طامع في جنة سريعة هربا من جحيم الأيام الصعبة داخل أسرة متعددة الأفراد وتقاوم أجل من البقاء. .. تغادر «الأحداث المغربية» بيت الإنتحاري الناجي ملتقطة آخر نحيب للأم التي احتضنت صغيرتها مرة أخرى والأب يردد «البوليس جاو فلليل عاملوني مزيان، الله يرحم الوالدين، متكرفسوش علينا».. وسط الحشود ورجال السلطة والأمن علامات الحيرة والأسئلة الكبرى منتشرة ... لا أحد يصدق لحد الآن أن يوسف الكويدري الطيب العاشق للحمام والأرانب والطيور تحول حقدا من المسامير والبارود موجه إلي صدر وطنه ومواطنيه .

آلواا الشرطة.....رقم 19 أو.190.. إني أتعرض للسرقة....رنين...ولا مجيب..

كم طال انتظاري .ولا أنت في زقاقي يا سيارة النجدة
أخذني حظي العاثرإلى درب كنت أعتقد أنه آمن فتعرضت لعنف من أجل السرقة في زقاق بسيدي مومن...الذين سلبوني وعنفوني لم يغادروا فضاء الجريمة....قلت الأمر سهل سأتصل بالشرطة...ركبت الرقم 19 حتى استنفدت بطارية هاتفي.....لا مجيب...رنين طويل يعقبه صمت قاتل...لا يهم ربما الشرطة منشغلة بكثرة المكالمات.....لأعيد الكرة. ..هاتف صديق لي رهن الاشارة...رنين...ثم انتظار....لا جواب.....قلت ربما أخطأت الترقيم فأضفت صفرا....190 ركبت الرقم من جديد....رنين..لا جواب..... عنما عدت للبيت حكيت حكايتي....لامني الأهل "لم لم تتصل بالشرطة؟.".....قلت بكل براءة...لم يردواعلى اتصالي....خذلوني .....وأنا الذي لم أخذلهم في مساري الصحفي......ذكرت معاناتهم في أكثر من محطة...،وأنا أغطي مشاهد الإرهاب في سيدي مومن ...وحي الفرح ...والمثلث الديبلوماسي...... فكر عوضا عني صديق لي وقال " أحصل على هاتف مسؤول أمني خاص... كم من المغاربة مضطرون للحصول على توصية "تهلا " للتمتع بحق الحماية؟ ماذا لو كان اتصالي من اجل التبليغ عن عملية إرلاهابية؟

الاثنين، مارس 24، 2008

الثوب الأبيض

قصة قصيرة
الثوب الأبيض على حافة السرير جلس الفقيه ونقع مضغة صوف في كأس ماء، تم عصرها بتمهل في فم الرجل الممتد والذي لا شيء يدل على بقية حياة في جسده غير حشرجة في الصدر وبصر غائر مسافر...رشف الحلق قطرات الماء ووجد الجسد المنهك بالمرض الطويل صعوبة كبيرة في ابتلاعها، كحة خفيفة...عينان تجحظان ،جبين يتفصد عن عرق غزير بارد،يدان ترتعشان ،محاولة يائسة للنهوض، كديك مذبوح يسقط رأسه على الوسادة، يضع الفقيه يده على الجبين، يتلوا آية يس في شبه همس، يفتح الرجل عينيه يوزعهما على الغرفة، يتفرس الوجوه ،يستقر نظره على صورة على الجدار لرجل قوي النظرات في بذلة عسكرية وقد زينت أكتافه نجمات نحاسية. ينظر إلى الوجه الذي كان وجهه ويحاول استرجاع تفاصيل الصورة... ينقع الفقيه مرة أخرى مضغة الصوف ويعصرها بين شفقتي الشيخ، يبلل ريقه ويمسح بيده على جبينه. على حافة السرير الأخرى جلست زوجته، من حين لآخر ترتب سريره، تغطي جسده باللحاف الذي ينزلق من حين لآخر بعيدا عن الجسد النحيف، تهتف في وجهه "العربي..العربي " يتفرس وجهها كأنه لأول مرة يتعرف على هذه المرأة التي قاسمها الحياة أكثر من نصف قرن، يشير بإصبعه إليها، تقترب بأذنها من فمه ، يهمس بضع كلمات، تنهض لتختفي في الغرفة الأخرى. بعد أربعين ليلة التقى الجميع في البيت نفسه، اجتمع الذكور والإناث والأصهار والكنات، سألت البنت البكر أمها "ماذا همس لك المرحوم في أذنك قبل الرحيل " نظرت الأرملة إلى وجه ابنتها وقالت لها " همس في أذني، لم تشتر ثوبا أبيض بعد "

الأحد، مارس 23، 2008

الشاعر و القاص المغربي المهدي بلعرج يصدر كتابه الجديد: " الأنماط الإيقاعية للأرجوزة في الشعر العربي

حلقة ابداع وحرية تهنئ القاص والشاعر المغربي المهدي لعرج...وتعد رواد الحلقة بتقديم الكتاب ضمن -كتاب تحت الضوء-
جديد المهدي لعرج--------مصدر الخبر والصياغة: مجلة الفوانيس
صدر للشاعر و القاص المغربي المهدي لعرج كتاب جديد عن دار الثقافة للنشر و التوزيع بالدار البيضاء ، عنوانه : " الأنماط الإيقاعية للأرجوزة في الشعر العربي " ، يقع في 144 صفحة من الحجم المتوسط . و الكتاب في الأصل جزء من أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه تتناول بناء الأرجوزة و جماليتها في الشعر العربي القديم . و نقرأ في ظهر الغلاف : ظل الحديث عن الرجز مرتبطاً بقضايا الوزن و العروض ، كما ظلت نصوصه لاسيما عند الدارسين المعاصرين من ملحقات القصائد ، بحيثُ يَغيبُ أيُّ تَمَيُّزٍ للأرجوزة إبداعاً وتلقياً ، رغم تمييزِ القدماء الواضح بين الرجز والقصيد باعتبارهما نوعين رئيسيين من جنس الشعر . وإذا أضفنا إلى ذلك أن الأرجوزة أصبحت عند المتأخرين مفهوماً يطلق على المنظومات التعليمية التي لا تمت إلى فن الشعر بصلة تَبَيَّنَتْ لنا بوضوحٍ معالمُ إشكاليةِ الرجزِ في الشعريةِ العربية . و على العموم ، فبالنظر إلى مجموعة من مظاهر التداخل و الالتباس التي تحيط بقضية الرجز لم يكن من السهل تقديرُ أهمية الأنماط الإيقاعية للأرجوزة العربية ، بالمعنى الفني لمفهوم الأرجوزة التي يمكن أن نلتمسها في دواوين أعلامها أمثال الأغْلَبِ و العَجَّاج و أبي النَّجْم و رُؤْبَة و العُمَاني وغيرهم من الشعراء الذين تميزوا في إبداعها أمثال أبي نواس و ابن الرومي و ابن المعتز . ومن أجل رد الاعتبار للأرجوزة ، و مساهمةً في تصنيف مختلف إيقاعاتها وتحديد أهمية كل إيقاع وقيمته الحقيقية في تراثنا الشعري كان هذا الكتاب ، الذي وقفنا فيه على سبعة أنماط أساسية للأرجوزة العربية ، هي : الأرجوزة المشطورة والمنهوكة والمزدوجة والموحدة والمثلثة والمربعة والمخمسة ، فضلاً عما تتفرع إليه بعض تلك الأنماط من بدائل ، سقناها في الكتاب بهذا الترتيب مراعين أهمية كل نمط وخصائصه انطلاقاً من النصوص التي تمثله ، في مختلف عصور الشعر العربي القديم .
عن مجلة الفوانيس

مشاهد تغتال الكرامة

هانا آخويا
كلما اضطررت لركوب سيارة أجرة كبيرة بالدار البيضاء، مكدسا داخل علبة قصديرية، تضبق داخلها الأنفاس وتختلط الروائح النتئة وعطور النساء وبعض الرجال والفتية، إلا وتساءلت، كيف يتقاسم في ألم مواطنان المقعد الأمامي ورغم ذلك ينخرطان أحيانا في حديث عابر؟
شيء ما يجعل هذين الراكبين يقبلان باختلاط ضفتي جسديهما دون ردة فعل تذكر...من حين لآخر يتزحزح أحدهما من مكانه باحثا عن وضعية أفضل تريح ألما مفاجئا ألم بفخذة أو كليته أومؤخرته...كلما تحرك أحدهما إلا واستجاب لحركته الطرف الآخر بحركة...فسحة صغيرة...تغيير الأوضاع...ابتسامة.....عبارة "هانية آخويا" أو "ماكين باس آلاخت/آلا لة/ ....." وأحيانا قد يضطر راكب إلى تنبيه من يقاسمه المقع الأمامي الذي ربما شعر با لضيق و وأراد أن يأخذ لجسده مساحة أكثر من المقعد الذي زاد من جحيمه حركة السائق وهو يغير السر عة معتمدا على مقبض قريب من المقعد...كلما مد يده إليه اضطر الراكبان لتكييف وضعهما مع وضع مغير السرعة.
قد يطول العذاب بطول المسافة ويتلون حسب كتلة جثة الراكبين والروائج المنبعثة من الآباط والجوارب والأفواه حسب سعة صدريهما..
ووراء السائق، تتوزع أربعة أجسام، تتقاسم هي أيضا في صمت ودون احتجاج يذكر ثلاثة مقاعد...فيضطرون جميعا لعجن الأبدان وقولبتها لتلائم وضع السفر، وغالبا ما يتناوبون دون اتفاق على التقدم بالأكتاف خارج صف القعود ، فاسحين المجال لالتصاق غير عنيف وأقل ألم. للأبدان المرهقة ..
سيارة الأجرة الكبيرة ى في المغرب ، تدوس كرامة المغاربة يوميا...فهم مضطرون في صمت إلى اقتسام فضائها ضدا على الكرامة...نساؤنا تلتصق أجسادهن بأفخاذ الغرباء... وعوراتنا تؤجل أعراض عرق النسا إلى قدر مفاجئ..
حينما، أتمعن في تلك السيارة الألمانية المكدسة بالناس، وقد تقل في منتصف الليل السكير والتقي والشاعر والعاهرة والعاملة والعاطل...أتساءل...من أين يبدأ الحديث عن الكرامة في وطن الحقوق والكرامة....وأنا أرى يوميا مشاهد تغتال الكرامة وتحول المغاربة إلى مجرد عابرين في صمت...يقبلون بجحيم سيارة أجرة لأن لا خيار لهم، غير الركوب والصمت واقتسام ما لم لا يجب أن يقتسم..

مقاربة ابستملوجية لمدخل التدريس بالكفايات -الجزء الثاني -

ما علاقة كل ما سبق بالتحول التربوي؟ أشرت فيما سبق أن التربية كائن معرفي يتأثر بالإبدال المعرفي /البراديكم/الأفق المعرفي والمنهجي الذي تشتغل تحته جماعة فكرية في مرحلة ما/وبالتالي فهذا التوجه نحو علمنة المناهج والفصل بين الحقول المعرفية والتجريب والتحقق كمعيار للمعرفة العلمية للمرحلة ماقبل كارل بوبر* سحب بظلاله على جل الأنشطة الفكرية الإنسانية فلم يعد إبدالا فكريا لجماعة علمية فقط ، بل انتقلت حماه إلى مجالات ثقافية أخرى .كالأدب والتربية...فانشغل النقاد لزمن طويل بسؤال مؤسس للشعرية الجديدة: ما الذي يجعل من الأدب أدبا؟ ما الذي يفصل الشعر عن النثر ؟ ما الذي يميز الإنتاج الأدبي الإبداعي عن الكلام اليومي العادي.. فظهرت الشعرية كمنهج للبحث في الأدبية / في القوانين الداخلية المنتجة للخطاب الأدبي ،مستعيرة أسئلة الإبدال العلمي السائد في الأوساط الجامعية/دائرة فيينا مثلا،وانتقلت ثنائية العلم /اللاعلم إلى الحقل الإبداعي الأدبي :الأدب /اللا أدب، الشعر/ النثر..وانتقلت كل العدوى بحماها وهواجسها وشطحاتها وطموحاتها إلى الأدب.. فأصبح النص الأدبي حقلا تجريبيا ولا بد أن يستجيب لمعايير نظرية لإنتاج الأدبية ..فكثر الإحصاء والجداول وتحولت الرواية إلى برامج محددة التحولات والمسارات وبنية من الوظائف تخضع لنظرية تم استقاء مكوناتها من استقراء لنصوص متعددة أفرزت طريقة إنتاج الدلالة والخطاب..فكان العصر حافلا بهاجس العلمية :علمنة البحث الأدبي وبناء نظريات تتخطى لعب دور الوسيط في الإفهام والتنوير والتوجيه، نحو نظريات لا تعنيها الدلالة إلا بقدر ما هي مادة اشتغلت عليها مجموعة عناصر بنيوية ووظيفية فأصبح الوضوح ليس الدلالة أو القول بل كيفية إنتاج الدلالة والقول...أي الخطاب.. إنه عصر التجريب بكل المفاهيم وعصر المناهج النووية التجزيئية والعصر الذي سادت فيه جماعات علمية في العلوم الحقة والإنسانية استبدت بها فكرة علمنة الموضوع والتحكم في إنتاج الخطاب علميا كان أم إبداعيا ...عصر توحيد لغة العلم وتنميط النماذج الثقافية....وبالتالي فالتربية لن تكون بمنأى عن هذا الإبدال المعرفي وأصابتها العدوى أيضا فانتقل فيروس علمنة التربية وتجلياتها الإجرائية من بيداغوجيا وديداكتيكا ، فاتخذت التربية لنفسها السؤال نفسه...وحاولت أن تستفيد من الثورات العلمية في مجالات البحث السلوكي واختارت أن تحدد لنفسها الموضوع وبالتالي المنهج ولكنها ظلت لصيقة بهاجس القرن العشرين الفكري:التوحيد/التنميط/التحكم/التحقق/الملاحظة/الاستقراء...فأنتجت في ضوء طموحها للتحكم في سلوك الأفراد والتنبؤ بأفعالهم وتعديله أوتر سيخه ،بيداغوجيا تجزيئية ظاهراتية/ تعنى بالسلوك الإنساني الخارجي القابل للملاحظة والتحقق من تحولاته بواسطة المؤشرات التكميمية وجداول إحصائية تخلق وهم العلمية أمام كائن نتحقق من سلوكا ته الجزئية في وضعية محددة الحوافز والمحفزات والمؤثرات وفق قوانين تجريبية توحي بقانون العلية الإمبريقي ، فكان هذا الوهم نحو تحويل التربية إلى مجال للعلوم التجريبية آخر فتوحات الإبستملوجية التجربانية التي انهارت في مجالات العلوم الحقة وانهار معيار التحقق لتجد التربية نفسها مرة ثانية أمام فشل ذريع في اختياراتها البيداغوجية ، إذ لم يعد أمامها إلا أن: * تراجع طبيعة موضوعها فالإنسان ليس في نهاية المطاف ما نلاحظه من سلوكات وأفعال خارجية، أنه كائن معقد ويمتلك عالما خفيا ذهنيا داخليا نفسيا ووجدانيا يساهم في بلورة شخصيته وانجازاته * تغير منهجها بسقوط التجربانية وتراجع فتوحاتها وظهور ابستيمولوجيا جديدة مع العقلانيين الجدد كارل بوبر نموذجا أعاد للتربية دفء الأسئلة المرجعية، فنشأ سؤال الحداثة التربوية ارتباطا بدور العقل والنسبية والاحتكام دائما للمواقف التجريبية الجديدة...فمفهوم كارل بوبر للنظرية العلمية ونقده لمعيار التحقق وللمنهج التجرباني ، خلق منعطفا جديدا في فهم الإنسان والمعرفة الإنسانية.فإذا كانت نظرية بوبر تنبني على مفهوم التفنيد أي أن النظرية العلمية هي القابلة للدحض والتفنيد، وكل نظرية قابلة لذلك فهي علمية وليست صادقة بل لها درجة من الإثبات ترتقي وفق خضوعها لوقائع تجريبية جديدة، لا تمنحها الصدق بل درجة أعلى من الإثبات والمصداقية في التفضيل .كذلك تحول البراديكم الجديد نحو التربية فانتهجت البيداغوجيا الحداثية منهج الكفاية الإنسانية التي لا ترتبط بالسلوك إلا كمؤشر على تحققها أو عجزها عن التعامل مع وضعية/مشكلة/مهمة/واقعة جديدة، مما يعني تطويرها وتنميتها لتصبح قادرة على مواجهة الوضعية الجديدة. * تتطور أسئلتها بظهور التيارات الابستملوجيا الجديدة ما بعد الحداثية المشككة في الصرح العلمي أو النسوية التي تنتقد المعرفة كانجاز ذكوري أو الفوضوية مع فايرباند* مثلا والتي تقحم النسق المعرفي الغربي في السياسة والمال واللوبيات المتحكمة في نتاج معرفة ما وفق مواقع معينة ، وغايات يلتقي فيها السياسي والمالي والحضاري ،أسئلة التربية الحالية تنهل من هذا التحول في الإبدال المعرفي من معرفة تجربا نية إلى معرفة عقلانية نسبية افتراضية...فكان للتربية أن تتحول مع تحول هذا الإبدال المعرفي من تجر بانيتها إلى معرفية ذهنية تستحضر التعدد الإنساني في الإنتاجية الإبداعية ومختلف مكوناته الغائية غير المرئية في الفاعلية والأداء الحضاري. *أن تنتمي للبراديكم الفكري والعلمي الجديد، فتراجع التيارات التجربانية وفشل السكولوجيا التربوية السلوكية في بناء نظرية تربوية ، أعاد من جديد للواجهة عودة العقلانية الجديدة على أنقاض التناقضات الداخلية للمنهج التجرباني والانتقادات التي وجهت له ولأعم أسسه المنهجية من قوانين استقرائية . *ظهور قوي للعقلانية الحداثية التي أعادت للعقل الإنساني وظيفته في بناء المعرفة وإسقاط أسطورة الملاحظة الاستقرائية البانية للقوانين، مما جعل للتربية أسئلة جديدة حول الذهني كبعد أساسي في المعرفة والاختيار والتحليل والتصرف والوجداني في بناء المواقف ...لم يعد الفرد نتاج سلسلة نووية من السلوكات المكتسبة يمكن ملاحظتها والتحكم فيها تعديلا وتعزيزا، وقياسها وملاحظتها بل أصبح هم التربية هو فهم القدرات الذهنية والبنيات العقلية المجردة والمركبة والمهارات والقدرات والمعارف المدمجة والتي تجعله يتصرف تصرفا ابتكاري/إبداعي/تصريفي وغير نمطي /أي الطاقة الداخلية للإنسان التي تجعل منه مبدعا ومتصرفا في وضعيات مختلفة وفق نسق من الأداء /الإنجاز المعرفي المهاراتي السلوكي والمنهجي بدافع شحنة عاطفية وجدانية تؤسس للنفور أو الانخراط الممتع وبالتالي تجعل الاختلاف بدل التوحد والتصرف والإبداعية والابتكار بدل التكرار والتنميط والإنجاز السلوكي المرتقب أسس توجها ابستملوجيا جديدا في التربية...إن التحول نحو العقلانية الحداثية في التفكير الإنساني وسم العقل التربوي ذاته بخصائص التحول نفسه ، فالتوحد والتنميط الذي أملته سياقات معرفية تاريخية لها ما يفسرها في التسابق المنهجي نحو إضفاء الشرعية العلمية على التربية انسجاما مع موجة العلمنة والتي كانت تجد أدواتها في المنهج الو ضعاني الجديد ، وسياق الحرب الباردة وما خلفتها من صراع نحو تنميط ونمذجة الفرد بأدلجة التربية ، سقط بظهور القطب الأحادي وأنتج عولمة اقتصادية تخطط للفرد داخل شبكة من النشاط البشري الاقتصادي والاجتماعي. 2-من الخيار التربوي التجرباني إلى بيداغوجيا السلوك./الأهداف ارتبطت مقاربة التدريس بالأهداف بمشروعين ، معرفي ، وسسيو-اقتصادي. 2-1 السياق المعرفي:
لم تكن مقاربة التدريس بالأهداف تدور خارج فلك التربية كعلم حاول في القرن العشرين، وخصوصا خلال العشريات الأولى أن يؤسس انتماءه لروح المرحلة فكريا و علميا ومنهجيا وذلك بمد جسور الحوار المفاهيمي والمنهجي مع حركة العلمنة والوضعانيين الجدد الذين انشغلوا بتوحيد لغة العلم وفصل قضاياه عن الميتافيزيقا، فكذلك كان شأن التربية التي استعارت من حركة الوضعانيين الجدد أسئلتهم وبعض قواعدهم المنهجية وترسانة من المفاهيم ، وهذا انسجاما مع الطقس الفكري الذي حكم مرحلة فكرية بكاملها/البراديكم...فقد اغتنى الخطاب التربوي الجديد بمفاهيم نجد صداها في التجربانية ..التحقق كمعيار للمعرفة العلمية بفعل الملاحظة والاستقراء وتجزيء القضية العلمية أصبح في التربية الجديدة منهجا نوويا تجزيئيا للسلوك البشري الذي أصبح تطوره ,فعله ونشاطه قابلين للملاحظة والتحقق والقياس والتعميم كأننا أمام مبدأ العلية الذي شكل دوما رافد القوانين العلمية للتجربانيين قبل أن ينهار مع شك دافيد هيوم* وغيره من العقلانيين الحداثيين والمابعد حداثيين. ما علاقة كل الروافد السيكولوجية التي صاغت مقاربة التدريس بالأهداف /السلوكية بالإبدال المعرفي؟

مقاربة ابستملوجية لمدخل التدريس بالكفايات

الفصل الأول
السياق المعرفي للتحول من مقاربة التدريس بالأهداف إلى مقاربة التدريس بالكفايات
أدرك التيه الذي يعيشه المدرس(ة) كلما زحفت إلى المشهد التربوي ترسانة من المفاهيم والمصطلحات الجديدة ، تدعي أنها تحاول التأسيس لوعي تربوي جديد وبالتالي لممارسة بيداغوجية تستجيب للمرحلة الجديدة في دينامية المجتمع وتحولاته الاقتصادية والسياسية والفكرية.بالكاد يكون هذا المدرس المكتوي بكل تناقضات المشهد التربوي والتعليمي ألف مصطلحات جديدة واستأنس ممارسة بيداغوجية معينة، ليصدر الأمر المعرفي السامي/القطعي بالقطيعة أو/و التجاوز أو/و استيعاب مرحلة جديدة تستوجب تطوير/تثوير الممارسة التربوية ،في ضوء طوفان معرفي تربوي عارم ما أن ينتهي الفكر الغربي من استيعاب تفاصيلها حتى تصلنا نحن في المغرب موجتها الأولى... الخيارات التربوية في الغرب هي نتاج تراكمات وتجارب وتقويمات لمعادلات الإنجاز التربوي والدينامية المجتمعية الاقتصادية والسياسية، بينما في العالم الثالث والمغرب نموذجا هي نتاج توزيع الأدوار في خرائط العولمة ، وتبعية لمركز الإبدال المعرفي الغربي...من يؤمن بكونية المعرفة وإنسانية الإنتاجية الذهنية لا يولي أدنى اعتبار لروافد التحول والقطائع معتبرا نفسه جزءا لا يتجزأ من نظام فكري حضاري إنساني، في الوقت الذي فيه لا تخفت أصوات الدعاة بالخصوصية الثقافية والحضارية للشعوب والأخطار المحدقة بالهويات ، لكن لا أحد يجادل في كونية الإنجازات العلمية بقدر ما نجد تحفظات من الخيارات التي تؤسس للقيم والهوية والإنسان والمجتمع وخصوصا في بعده التربوي والاجتماعي.مواقف توزعت على محور الحساسية لهذا الفكر المخترق للخرائط والحدود بين حساسية معتدلة تقترح الملاءمة والتكييف والغربلة والانتقاء والتأصيل وحساسيات مفرطة رافضة لكل مشروع فكري ثقافي غربي واصفة إياه بالمستلب المهيمن المنمط للقيم عبر الأنموذج الغربي.
1-الدرس الإبستملوجي لفهم التحول في الخيارات التربوية
لما انتشرت مفاهيم ومصطلحات مرتبطة بصرح بيداغوجي ارتبط بالتربية المتحكمة في السلوك والقادرة على التنبؤ بردة فعل سلوكي أو فعل سلوكي وسط وضعية ما،كان المجتمع التربوي الغربي يعتقد أنه بإمكانه التحكم في هذا الكائن البشري المتغير الزئبقي وتنميطه وفق انتظارات الجماعة الحاكمة سياسيا واللوبيات الإقتصادية المهيمنة على منظومة الأخلاق والقيم وتوزيع الأدوار الاجتماعية والاقتصادية ...فخرجت للوجود بيداغوجيا مسكونة بالعلمنة تجر وراءها ظلال ابستيمولوجيا القرن العشرين التي اهتمت بالعلم وحاولت أن تضع خرائط معرفية له لتميزه عن اللاعلم ..التربية كائن معرفي يتأثر ويؤثر داخل النسق الثقافي العام/الإبدال الفكري الذي ينمو و يتحرك فيه، فابستملوجيا القرن العشرين متأثرة بالوضعانية الجديدة التي اتخذت من المعرفة العلمية موضوعا لها و انشغلت بأسئلة التحديد والتعريف والتوحيد داخل المعرفة العلمية ، وحاولت أن تجد أجوبة منهجية ابستملوجية للسِؤال المحرج والمؤِرق: ما الذي يفصل العلم عن اللاعلم / الميتافيزيقا /؟سؤال تصدت له جماعات فكرية من مختلف الفروع العلمية وحاولت أن تؤسس المعرفة العلمية انطلاقا من منطق لغتها الداخلية ومن مطابقة قضاياها عبر تجزيء عباراتها إلى عناصر لها مقابل في الواقع ، فخرجت للوجود هذه المفاهيم النووية التجزيئية الني تبحث في منطق لغة العلم:هذه المقابلة بين القضايا العلمية والعبارات الداخلية للقضايا العلمية أنتجت مفهوما جديدا وهو معيار التحقق..فالتحقق هو التحقق من صدق نظرية علمية ومطابقة القضايا اللغوية هو معيار انتماء النظرية إلى العلم... هكذا كانت ابستيمولوجيا القرن العشرين مثقلة بهاجس الوحدة توحيد لغة العلم ،وهاجس الفصل بين العلم و اللاعلم وهاجس التحقق والتنبؤ والتحكم...
يتبع

الجمعة، مارس 21، 2008

سيرة طفولية سياسية

سيرة طفولة سياسية إلى روح عبد الله راجع...حتى لا ننساه وسط الضجيج كنا صغارا ... صغارا ... وكانوا كبارا... كبارا... يحلون كالوهج ... كسحاب عاشق للعود اليابس بعد طول انتظار. في مواعيدنا القلقه، العاشقة لجنان القول الناضج على شجر الآمال العابره. بين لوعة السفر ودفق الشفق كانوا ينسجون الأحلام. فنحلم كما يحلمون ونلبس كما يلبسون نضع قبعاتهم وسراويلهم. ندخن سجائرهم . ونقرأ ما يقرؤون... كما يجلسون في المقاهي... نجلس... نتحدث. كانوا... كانوا... يحددون خرائط الأنغام فنطرب فقط في مدنهم. كانوا يحددون الدنيا... بحارها سهولها مخابزها مرتشيها وخونتها فنمشي في مسيراتهم. لا نعرف في الخرائط غير هذا الشرق كما لونوه. وهذا الغرب كما عهروه كنا نعلق صورهم على الجدران الحالمه يبن الكبد والغمد بين القلب وفي نحورا لأمهات. ندس أشعارهم ... بين أثداء الأمهات... بعيدا عن أعين المخبرين وكل من سموهم "رجعيين " وكنا نردد تراتيلهم في المدارس... في الشوارع ... عير بعيد عن سكة الغابرين. نغنى أشعارهم في البراريك القاتمه نشعل شمعة في ليالينا الباردة... لنقرأ سطرا ماركسيا... لنحفظ شعارا منسيا... وكانوا لما يدخلون السجون تمشي القلوب في الشوارع تكسر أضلعنا تجهض أمهاتنا تغتصب نساؤنا تخضب عورات أخواتنا بقيء الجلادين وما تبقى من جبن في سياطهم. كنا صغارا... صغارا .... نحلم معهم بالرغيف الأسود الذي يكفي الشعب والغرباء. لكن... لما سقط جدار زمن الصقيع نمت في لغتهم كلمات جديدة وتسابقوا للدواوين والمجالس وسموا الماضي طيش خرافة وصنعوا من جديد خوفا آخر من عجين وغوغاء. ووزعوا الطبالين في المواكب السياسية وأصبح الشعراء وزراء والجلادون ندماء. والشيوعيون فقهاء... كتاب دواوين ونبلاء. والمنفيون عقلاء. غيروا السراويل والقبعات والتسريحات غيروا الخرائط القديمة... بخرائط من حرير. وهذا الشعب ما تبقي من الشعب. كم حمل سكراهم على الأكتاف كم أشعل نارا من ردم الروح ليدفئ أشعارهم. كم أسقط من فاكهة العمر قبل الآوان... ليطعم فراخ الآمال. كم حطب من غابة الحياة... لتظل جذوة الغد مشتعلة... مشتعلة... رغم الصقيع... رغم الظلام المندس بين الحدائق. ونحن.... نحن – القاطنين-... عند منعرج التاريخ... نحن ... كل هذا الجيل كل هؤلاء الذين حفظوا الشعارات القديمة توزعنا بين الحانات والقاعات البيضاء ولا أحد.. لا أحد... يصدق أننا لم نعد كما كنا في يدنا موتنا وفي أعيننا بوصلتنا وفي جذوعنا ألغامنا... لم نعد صغارا... كما كنا... يرسمون الدنيا... فنلون المساحات والأشكال... بلون كلامهم... أبدا... أبدا... لم نعد صغارا... كما كنا... ولم يعودوا كبارا كما كانوا... نصدقهم لمجرد أنهم قالوا.

سيرة بوم وليلة

سيرة يوم ولبلبة
يوم آخر... شروق مؤلم في المقل... مشي طويل في الدروب... سجائر تلخص الزمن العنيد... تم عتمة. جفون متعبة ... ليتها تطوي صفحة تم صفحة... ليلة تدب في غرفتي... تتمدد ظلالا ساهرة على جسدي... تنبش بأصابعها اللاهثة عمق الدواخل... تقفز الهواجس تم الأوهام. .ليله.. ماخور.. خمره. امرأة في آخر الليل. تنام في حضني... تنسحب في الفجر... لا أذكر وجهها... ولا طعم جلدها ... أذكر فقط أنه كان كثير الـألوان... فيه ثقوب... وندوب... وشهادات... وشيء من المتعة... وخوف كثير وسر. ربما باحت بنصفه ... ونسيت نصفه. ***************** يوم آخر... تيه آخر... ساعة تنتشي بفراغي ودروب ملت مروري... كم تعرفني هذه الدنيا.. غروب آخر... يهرول المساء نحو خرائطي.. يقترب المساء من نافذتي... يكنس آخر عصفور... ويمضي... ********************** هذا المساء. في هذا المساء.... دخنت لفافة حشيش و هواء وأفرغت تبقى من حساء في معدتي المتعبة الخرقاء. أطعمت العصفورة العرجاء قمحا وصمتا. تصفحت كل القنوات الهوجاء بحثا عن لذة رخيصة في جسد أنثى من خواء. وانتظرت أن يمر الكرى قريبا من شرفات جفوني. ألتقطه بين أصابعي كضيف يأتي في الخفاْء ويرحل لا وداع. ******************************* قرأت صحف الأمس وما تبقى في دورة المياه من ورق عالق بالمسمار. انتظرت الصباح عله يأتي. هذا النباح يؤخر قوافل الفجر المتعثر. وهذه الكلاب أيقظت عصفورتي. لا أدري ربما عصفوري لم أر هذا الكائن في ماخور. ولا عينه على مؤخرة في مرور. عفوا... مرة اكتشفت أن له حزنا في الخريف... قال صديقي.. صديقي الذي ضاجع صديقتي... تم امرأة تأتي لتغسل ثيابي يلزمها عصفور" » أشعر بالغثيان قليل من الحساء على نحري وكثير على عانتي. لا أعرف متى تقيأت يومي. ****************************** أرمي عقلي في ثقب الذكريات. أرمي بلفافتي ووهمي في قمامتي خوفي.. وأدرك أن أن ما في القفص خنثي وحزن الخريف صدفه.... صدفه..... خالد أخازي البيضاء فبراير2007

رحلة البحث عن الوطن

لا زلت أبحث عن وطني في وطني..
مذ سقطت آخر أحلامي...
قتيلة على جدار اندحاري
في أحراج الفزع اليومي
من أن ألقى حتفي،
في زقاقي العاتم
إلا من لوعة ضوء راقص
لسيارات حمقاء..
.على يد ناقم من عتبة البهجه..
.أو بيد يائس من نسمة النعمه.
****************************
لازلت أبحث عن وطني في وطني...
بين حشود العاملات في الغبش...
بين صفوف المنتظرات على البوابات....
لازلت أبحث عن وطني في وطني...
مذ شج رأسي في زاوية الزقاق...
من أجل كيس فيه رغيف وصحيفه.
من أجل جيب فيه أنين وريح ...
وفاتورة مِؤجلة وقصيده...
وبقايا شهر أنهكه الفحيح....
لا زلت أبحث عن وطني في وطني...
يسقط الناس أمامي مرضى
أو تلفظهم المستشفيات
ليموتوا في وطن
قيل لهم" أحبوه..
.فهو مرلكن،
قدسوه"
.لازلت أبحث عن وطني في وطني
مذ رأيت الرجال يسجنون من أجل الوطن
وبعد جراح وجراح..
يرتدون البزة والأوهام...
ويكنسون ليل وطني...
بأقلام الشعر التي وهنت...
في أحضان جلادي وطني...
لازلت أبحث كل ليلة...عن وطني في وطني...
وأخشاك يا وطني وأنت تحاصرني
كل ليله...بالمعربدين...واليائسين...
لا زلت أبحث عن وطني في وطني...
مذ فقدت نجمتي الو حيده...
هناك حيث يموت الصغار فجأه...
كما يأتون صدفه...
ويدفنون في العتمه...
في قرى ومداشر وطني...
لا زلت أبحث عن وطني في وطني..
كلما ضاقت بي الدنيا
و وصدت الأبواب أمام إلحاحي...
كلما كبر أحد صغاري...
فشاخ أمامي قبل الأوان...
وفي يده شهادة أمل...
ضاعت بين الطرقات...
وشحبت كلماتها بعرق الرحيل.
.وفتحت لليأس دروبا من ضياء..
.********************************************
وطني أشاح وجهه عني...
واختفى عن الأنظار...
لم يبق من وطني غير علم وضجه..
.لم يبق من وطني غير صنم وكهنه...
يوزعون الفتوى والفرجه...
ورعايا ينتظرون بقايا موائد ومواعد
وحكايات قديمه...
عن رغيف تتسع بساتينه للجميع...
وحدائق تغدق الموز والبلح...
على العمال والمزارعين والحجيج...
لازلت أبحث عن وطني في وطني..
.أتفرس الوجوه كل صباح...
فأرى ذلك الموت الصامت ...
يقفز من العيون...
ويمتد في الكلمات والدروب...
أسافر ببصري المتعب في مدينتي..
.فأخاف على مدينتي...
من مدينتيمن غد قد ينبع من الدغل...
من غد قد تقرع طبوله الهائجه...
فراشات لم تعد تحترق...
على وهج الفتيل....
وتمسي هي الفتيل...
من غد قد تفصد صيفه..
.من جبين خريف الروح والجريح...
*************************************
لا زلت أبحث عن وطني في وطني...
كلما دقوا بابي..
.ومنحوني بطاقة اقتراع خجوله...
كيف يستبلدوننني يا وطني...
في منتصف عمري المتأرجح....
بين الحكمة والنزق....
لازال في وطني ...
يا وطني...
من يفاوضني على صوتي ...
المسكون بالسعال وسقط التبغ..
.يمنحني فاكهة يوم وليله...
وقدحا وسط كبرياء الشاي والسكر...
ويقبلني ألف مره...
يسأل عن الأحياء والموتى...
ويعاتبني على أشياء كثيرة...
ويمضي مبتسما...
محمولا على أكتاف هشه.
لازلت أبحث عن وطني في وطني.
.كلما امتدت إلى أجرتي العليلهأياد كثيرة...
عفنة...
مهروله...
تقتطع من صمتي..
.سعر زجاجة وعاهره...
تقد من أشلائي...
ليلة في حانة ساهره...
ولما أتمهل لأبحث عن وطني...
بين الأيادي والخناجر والسياط...
لا أجد بين الوجوه وصفك يا وطني...
لبساتين الناس المشرعة في المحن...
والديار المفتوحة للناس ...
حتى الغرباء...يا وطني..
*********************************
لازلت أبحث عنك كل صباح ...
وجسمي مشاع بين الناس...
في حافلة المتعبين....
يا وطني..لا زلت أبحث عنك كل ليله...
وظلي يخترق الدروب نحوا لدروب...
يا وطني ...لازلت أبحث عنك في الطرقات...
في عيون دركي ...
يفتش عن أي شيء...
إلا هويتي...
يا وطني...
كم افتقدك في عطلتي..
.فأنا أجهل جبلك وسهلك..
ينابيعك ورملك..
أقسم أني لا أعرف من وطني...
إلا شطآنا أجاور في موجها..
.قيء مدينتي ...
لا زلت أبحث عن وطني في وطني...
في وجوه الناس أبحث عن الناس...
لكن هيهات يا وطني ...
أين الناس؟
أين الغناء ...؟
أين العناق الذي بفجر الدمع والذكريات...؟
أين العيون التي تلقاك بالحنين ..؟
.يا وطني ...
لا زلت أبحث عنك في الوجوه ...
في الأشياء...
في الشجر...
والحجر...
والهواء...
فلا أجدك إلا نخلة منسيه...
في قصائد كثيره...
أو وصف جميل...
في خطاب سياسي متردد...
لازلت أبحث عن وطني في وطني...
فلا أجده...لا أجده..
.طال بحثي..
.ووطني يهرب من لوعتي .
..بعيدا عن سواحل القلب..يا وطني...
عفوا لم تهرب أبدا...
ولم تشح بوجهك عني.
.أبدا...
أبدا....
هراء.
.لقد هربوك...
تم خنقوك...
تم صنعوا وطنا وهميا
من عجين...
من خواء
وسموه اسمك...
لكن كلما سافرت في سحاب الوجوه...
أدركت أن هذا الذي ألقاه كل صباح..
كل مساء...وطن لكل السياح...
لكل الغرباء ..
.لكل العابرين....
المضجين...
المقدسين...
في خفاء..
.لكل الناس...
إلا أنا..
.يا وطني..
يا وطني....
خالد أخازي
بالدار البيضاء18/03/2008

حكي الشجر

حكي الشجر والقدر سألت الشجر... متى أورقت آخر مره؟ هز ماتبقى من ورق محتضر وقال" لما مر الفرسان تحت ظلالي وتبادلوا الحكي عن النهر القادم من الشرق.. يعبر المغرب ويسقي القصائد المتهمة بالوهن.. يسافر وفي صدره شمس تدفئ مضارب المطر." سألت الشجر.. يا شجر بلادي متى سقطت آخر حبة من عود على مهل... فأكل الناس والنار والطير والقمر.. قال وهو يهز ماتبقى من ليلة: "لماكان القطاف في السحر حولي وكان الغناء والسمر وكان الرجال أكثر من رجال في المحن. والنساء يغزلن الصبر من أثداء مهترلة، لكن تمنح الحياة والنخوه. ومواويل تتفجر على مجرى العيون. لما كان في البلد عيد وطبل وحناء وقدر لما كان في البلد أعراس وبنادق وغفر لما كان في البلد حصاد يريح القلوب والطير وتقمر حباته في البيوت رغيفا ودفء يجمع الناس على حكاية وأغنيه بين النخيل والكروم ودغل النجوم." سألت الشجر متى أورقت آخر مره قال : "قبل هذا الزمن البليد بكثير بعد أن أصبح في البلد غفر يستنفرون لضرب النساء والصبايا وحدائق البلد مشرعة للغزاة يرميهم الصغار بالحجارة والقمامه ترميهم النساء بشهداء من الأثداء بينما عسس البلد يوزعون الحذر ويسمون سقوط القلاع جولة في قدر وموت الصغار أمام أعين الأمهات حكمة قدر.." سألت الشجر متى تورق مرة ثانية؟ قال:" لما تمر من هنا قوافل العرب لما ينام الصغار فيحلمون كالأطفال بغد بلا رماد وطريق بلالا لعلعة رصاص وسماء بلا دخان.. بيوم تمطر سحبه لتزهر الشهامة مرة ثانية في صدور الفرسان... فيكرون ويدبرون ويلقون القصائد تحت بهاء البندقية سألت الشجر عن القدر فقال"تصنعه البنادق زمن الحذر" خالد أخازي
الدار البيضاء