استيقظت على غير عادتي الساعة السادسة صباحا، بحثت عن حذائي تحت سريري، ثم علبة وفرشاة التلميع...فجأة قررت لأول مرة منذ عشرين سنة ألا ألمع الحذاء،"لماذا كنت ألمع حذائي كل صباح ؟" لم يسبق لي أن طرحت على نفسي هذا السؤال...نظرت إلى وجه أمينة زوجتي وقد انبطحت على السرير مدلية قدميها المخضبتين بالحناء القاتمة اللون...لم أنتبه قبل هذا اليوم أن أمينة تصدر صفيرا عند النوم وتنام على ظهرها ...نزعت حذائي...وقررت ألا أنتعله بعد الآن .
في الطريق نحو مكتبي بمصنع الأدوية، توقفت لأول مرة عند عربة العم مبارك ...طلبت حساء وجلست على كرسي بارد...عشرون عاما وأنا ألج بوابة المصنع بالسيارة، اوزع نظرة خاطفة على الرجل ، يلوح لي بيده وينحني قليلا، تصلني رائحة حساء الفول المعطر بزيت الزيتون، ألج المكتب أجد قهوتي السوداء وجريدة وكاتبة لا تتوقف عن الابتسام وتغيير العطور...هذا الصباح مشيت حافيا ومترجلا، نظرات مختلفة تبحث عن جواب " أأنت فعلا...حافيا.....وبدون ربطة عنق....وتشرب الحساء في هذا الصباح البارد ؟ "
توقف بعض الزملاء....نوافذ السيارات تفتح في انسياب...نظرات مختلفة....أعناق تشرئب....نوافذ المكاتب تفتح همهمات....
تحضر أمينة...رفقة صهري بائع خردة السيارات....تشدني من يدي، أرمي نفسي في المقعد الخلفي لسيارة صهري المتجهم ، تسألني وهي تلطم خذيها " ماذا وقع؟ أجننت ؟" أردت فقط أن أقول لها إنني لن أنتعل بعد اليوم حذائي، وجدت ألا جدوى في القول... صمت واحسست بلذة غامرة في بحر الصمت
امتلأ البيت بالناس، غصت في صمتي الجميل، حزن ما انتشر في أركان الغرف، لا أعرف لماذا أتي كل هؤلاء الناس؟، لم يتحدثون طويلا مع أمينة.؟..جاءتني رغبة في التغوط...نزعت سروالي وملابسي الداخلية وقصدت في صمت المرحاض....مررت أمام غرفة الضيوف....صرخت أمينة، غطاني جاري بائع الدجاج بإزار ، ماذا وقع ؟ أردت فقط التغوط ...بلا سروال ولا ملابس داخلية شعرت بمتعة غريبة....سعادة غريبة...قررت أن أظل بعد اليوم عاريا.....
أردت أن أحدث أمينة عن سعادتي...لكنها لا تتوقف عن البكاء واللطم....سأصمت....لن أحدث أحدا عن رغباتي ....عن سعادتي يكيف كنت أحمق منذ سنوات أخنق قدمي في حذاء أضطر لتلمعيه كل ....وجسدي حبيس معاطف وسراويل وعنقي مطوق بأربطة لا معنى لها....كم كنت أحمق...مساكين هؤلاء الحمقى المحيطون بي......يتعذبون في أحذيتهم وملابسهم وحليهم ......لن أشرح لهم....سألتزم الصمت...وهل ينفع الحوار مع الحمقى؟