الأربعاء، مايو 21، 2008

"أخي" للقاص زهير هوتة من مدينة فاس

أخي

أخي الصغير.. يشد الحبل، يثبت وثاقي ويظل يتربص بي، يحاول إحكام خطته الهجومية ضدي..أتوقع ذلك، بيني وبينه نظرات حذر وشك. لا يختلف كثيرا عن رعاة البقر، نفس الحذر والترقب، ابتسامة مكر تتسلل من شفتيه كرسم سماوي، يعدو متجها صوبي، يقذف بصدره العنيد إلى صدري. أشعر الآن أني أخضع له.. تحت قبضته. البيت الذي يؤوينا يزيده فوضى، هو الآن يزيحني عن سريري، يدعي أنه يملك القوة كي يلقي بي خارجا على الحصير ومن ثم يهدي اليّ ثمرات ما جادت به يداه من لكمات تختصر الطريق إلى طفولتي، وأغدو صغيرا بذاكرتين . لا يكفيه صراخ أمي.. صراخ أمي أن نتوقف عن شغب هاج بداخلي. أمي التي تفعل كل شيء تستطيع جعلنا نتوقف. من جديد نهيئ صفوفنا،جولاتنا.. معا نعشق طفولتنا. أخي الصغير.. قبل ربيعين، كان جالسا عند عتبة الدار، قيل أنه قعد بهدوء ذلك اليوم، لم يشارك الصبية لعبهم. كان شاردا طوال الوقت كأنه يبحث عن شيء ما في حقل خياله اللامنتهي... بعدها بقليل أبصر الفراشات الصغيرة تطير بأجنحتها البنفسجية والقرمزية... تراءت له على طول الزقاق، كانت بضعة فراشات.ظل يحدق في هذا الكائن الغريب طويلا. الفراشات تبتعد عنه وتلوح في الأفق غيمة. يفرك أصابعه ثم يمسكها، ينفلت الهواء من قبضته الصغيرة. قفز هائما من برجه الطفولي . لحق بالفراش، لحق بها، اقتفى أثرها... اختفى . أخي الذي يصغرني لم يره أحد من الجيران، لم يره أحد. بحثت كثيرا لكنه على ما يبدو قد رحل. خرج أخي ولم يعد.. لم يعد، انتظرت طويلا لكنه لم يعد. حتما أغوته الفراشات صار مثلها، هو الآن يملك جناحين للطيران وجه أخي صار حقل زهور. من في الجوار لا يدركون ما أقول، هم يتفوهون بكلام لا يروق لي.. يتعبني. -هم يقولون : لقد صار طائرا أبيض يعرج على السماوات السبع، ثم يأوي إلى ظل شجرة من أشجار الجنة حيث ينعم بالظلال... هذا ما تقوله كذلك أمي.. أمي التي تنهي كلامها دائما بالبكاء. أكيد لا يفهمون شيئا. لا أحد يرغب في أن يفهم، لا أحد. . . . . . . . . أخرج فزعا

أشير بكلتا يداي إلى الزقاق.. أتهم الزقاق.

على مرمى البصر

أفترض الفراش تلو الفراش

أستبيح دمي

تم أعانق رسم أخي شطر الجناح.

ليست هناك تعليقات: