الأربعاء، مايو 21، 2008

بورتريها للفنان الشعبي "خليفة" من إنجاز المبدع والصحفي محمد فايح

الفنان الكوميدي الشعبي"اخليفة" لم يمت إنه حي في قلوبنا، قلوب البيضاويين، مادامت للفرجة ضرورة وللسخرية حاجة ملحة
كلما عادت الذاكرة بالبيضاويين إلى زمن ليس بالبعيد، زمن يستحضرونه بحسرة، زمن شكلت فيه الحلقة فضاء فرجويا بلا منازع، زمن غابت عنه فضاءات ثقافية وفرجوية مؤسساتية إلا واسترجعت الذاكرة أسماء تدثرت بالنسيان. أسماء منحتهم الضحك والفرح بأبسط الطرق والوسائل، ألبسة وأقنعة مهترئة عبارة عن إكسسوارات للعرض وآلات موسيقية متهالكة، "كمنجة" قديمة و"بندير" معوج و"تعريجة" وفي أحسن الحالات "طبل" مزمجر أو "غيطة منتحبة". أسماء مازالت تحلق في الذاكرة البيضاوية رغم طغيان ثقافة الاستهلاك المعولمة التي قضت على خصوصيات ثقافة شعبية فقدت إمكانية تجددها واستمرارها. أسماء على رأسها الفنان "نعينيعة" صاحب الحكايا المحبوكة المشخصة بأسلوب ممسرح متميز والفنان "بوغطاط" وعلاقته بدماه وقبعته والفنان "اخليفة"، هذا الكوميدي الذي شغل ومازال يؤثث مساحة مهمة ومشاكسة في الذاكرة البيضاوية إن لم نقل الذاكرة الشعبية المغربية في كل أرجاء الوطن، تستحضره في الأفراح وأثناء الدردشات في المقاهي، وفي أركان الحارات وساحات الحدائق حيث تكن نكثه وتخريجاته اقتباسات لاعبي "الكارطة" و"الداما" للمتقاعدين في حواراتهم الصاخبة.هذا الفنان الشعبي "اخليفة" الذي شغل الناس وأصبح له جمهورا ينتظره بعد صلاة العصر. هذا القادم من رحم الأكواخ والمعمد بعبق تربة الحمري والترس لم يهنأ له بال حتى أعلن غضبه على فكاهة الابتذال والتزييف شاهرا سلاح البساطة بنفس إبداعي ضارب في عمق ثقافة الشعب البسيط،. هذا الفنان الشعبي الذي استطاع تشكيل الحلقة في ثوان معدودة من أناس ذواقين للنكتة المشخصة بابتسامة بريئة لشفاه مشققة أنهكتها أدخنة التبغ الرديء. هذا الفنان الكوميدي الشعبي ذو الوجه القمحي التي غزته تجاعيد بارزة بفعل لهيب الشمس الحارقة وأصابع بارزة التنايا كقصب الخيزران وأياد معشوشبة التي تماهت مع الأرض المعطاء والتي تؤكد لنا أنه كان فلاحا صغيرا من هضاب الشاوية قد يكن مستعمرا أو خائنا متعاونا ما اغتصب أرضه وطرد للمدينة الشبح-الدار البيضاء-هذا الفنان الشعبي صاحب العينين الغائرتين التي تحمل بين أعماقها فرحة طفل يقدمها حكايا ممسرحة وعزفا بل حشرجة حزينة لآلة متهالكة-كمنجة- تماهيا مع كبره وواقعه المعيش علها تنفس عنهم كرب العيش وتمنحم الضحكة والسكينة إلى حين.هذا الفنان الشعبي "اخليفة" مدرسة فرجوية بامتياز وقدرة خارقة على إدخال الفرحة والبهجة على النفوس في عز الحزن وأقصى درجات الكآبة. إنه فنان "ولاد الشعب" كما يحلو للبعض أن ينعته بدون مساحيق ولا إكسسوارات ولا أضواء ولا بهرجة مفتعلة.فنان أستوطن قلوب الجميع، كل ما كان يملكه كمان إيطالية بالية "الحرباء" كما كان يسميها، بحشرجتها الحزينة، تخترق المسامع عزفا لسيمفونية كاريان سنطرال المقاوم وبن مسيك وشطيبة ودرب السلطان بل كل أحياء ودروب وساحات الوطن.سئل ذات مساء عن تاريخ وفاته فرد جمهوره وعشاقه ومحبيه: "اخليفة" لم يمت إنه حي في قلوبنا، قلوب البيضاويين مادامت للفرجة ضرورة وللسخرية حاجة ملحة. إنه صورة راسخة في الوجدان يوزع النوادر والنكث والملح بسخاء وتلقائية تجعل المتحلقين حوله مكونا أساسيا من مكونات مشهد ممسرح آية في الإتقان حيت تنزع بقدرة خارقة الضحكة بلا هوادة من نفوس أضناها ضنك العيش وقساوة الاستغلال فتشعر بأنها في حاجة إليه وهو في حاجة إليها.هذا هو حال كل من عايش زمن "اخليفة" وتعمد بإبداعاته العفوية بقالب فكاهي لا يمكنه إلا أن يظل وفيا لروحه ويمطره ورودا كلما استحضر حكاية "الموت" و"حوض النعناع" و"العرس.." وكل مستملحاته وقفشاته الهزلية.فتحية لك أيها الفنان الفكاهي البسيط ولتهنأ روحك في تربة الوطن الندية يا "ولد الشعب" فأعمالك الفرجوية البسيطة ستظل منقوشة في وجدان البيضاويين فقط لأنك كنت واحدا منهم أحسست همومهم ونفست عنهم بقدرتك على منحهم الفرح والضحك في زمن الضنك وشطف العيش.

هناك تعليقان (2):

حلقة إبداع وحرية يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غير معرف يقول...

أيها الصحفي محمد فايح
شكرا لك لأنك أعدت لنا نحن البيضاويين ذاكرتنا في شخص الفنان الكوميدي الشعبي "خليفة"، لن ننسى هذا الفنان الذي أثث الحلقة في كل ساحات وجوطيات الدار البيضاء، فنان أمتعنا ونحن صغار بالفن الجميل ومنحنا أبجديات التمسرح حينما كنا لا نستطيع مشاهدة عرض مسرحي ولو داخل مدارسنا لفقر أسرنا
لك منا أيها الصحافي جزيل الشكر
إبن هارون/البيضاء