الجمعة، يونيو 20، 2008

الأرض تلفظ أبناءها نص سردي بقلم محمد فايح

تعالت الأصوات... نواح غريب عبارة عن مزيج من خشونة الرجال و ورقة الأطفال ...نسوة يتسابقن في اتجاه غير محدد و دون معرفة الهدف.. .وجوه شاحبة تشققت بفعل تعاقب البرودة و الحرارة. نظرات إلى السماء بعيون غزاها الاحمرار.رؤوس حليقة وأخرى كثة.... شفاه متشققة... صدور نحيفة... عقارب ميتة.. .بقايا عظام لنعاج وحمير وماعز تحت نبات الصبار الشوكي ...كلاب هزيلة تحاول النباح بصعوبة. كيف أمكن لها أن تتناسل؟ ..أرجل تنتعل نعالا بلاستيكية وأخرى حافية. أنواع من الطيور والغربان تحلق فوق الرؤوس على علو ليس بعيد . يوم ليس كباقي الأيام... الكل يتساءل...ماذا حدث...؟ الجواب لا يملكه احد حتى فقيه الدوار هرول بحركات تثير السخرية... تعثر أكثر من مرة.. قاوم سقطة كبيرة سببها له الجلباب الطويل كادت أن توقعه في بئر جفت منذ توالت سنوات القحط على هذه المنطقة ... حفر كثيرة أصبحت فضاءات مشرعة لبقايا مختلفة وحيوانات نفقت في السنوات القاسية . تساءل الناس عن السبب وتضاربت الأجوبة ... هناك من أعاد الأمر إلى الأرواح الشريرة أو تمادي الكبار في الرذيلة.... الكذب.... النفاق... المراوغة ...المكر كلها أسباب ....لكن ابن القرية الذي أصبح معطلا بعد أن نال إجازة في عاصمة البلاد في علم اجتماع كان يخوض في كل مناسبة سارة أو حزينة جدال يسبب له متاعب كثيرة مع الأهالي ...الطرد المهين من مجالسهم وفي أكثر من مرة واجه شتى النعوت بالافتراء والكذب وهو يدحض ما يروج بالعقل... ويربط الأسباب بالمسببات تزداد المعاناة وهذا المعطل الذي تعرف في سن مبكرة على أهم النظريات... يعيشها مزدوجة...عطالة....فقر...جفاف وعالم غارق في ثقافة غرائبية. ..جرى الجميع في اتجاه التل ... الغبار يتطاير ..أقدام... رؤوس.... حركات هرولة.. مشي بطيء...استراحة... مواصلة.. والغبار يتطاير... سحابة تحجب الرؤية .....التحق بهم من بقي بالدوار من أطفال وعجزة ... الكل يتحرك حسب طاقته في حيرة من أمره. نسي الجميع ما عاشه من أوضاع مزرية كبروا وترعرعوا فيها ...تخلف احد كبار الفرية وهو يلتفت يمينا ويسارا لم يجد من يوجه له سؤالا محرجا سوى المعطل: ألم يعد ما يشدنا لهذه الأرض سوى رصيد من الذكريات والنكسات والمغامرات؟ لم ننعم بالطمأنينة قط ....أهذا قدرنا ؟ حتى الطبيعة قاسية علينا على حيواناتنا.... كلاب الصيد لم نجد ما نطعمها . .. الآبار جفت... كأن الشمس مستقرة في مكانها فوق الصدور الظمآنة.. الأصوات بحت... النسوة نسيت الغناء والمواويل ...الأطفال وحدهم يرددوا ترنيمات رغم الوجع والضنك كأن لم يكترثوا بما يقع... لا معنى للرحيل بالنسبة إليهم.. يفتح الجوع طريقه نحو العيون والعقول ...حرك فيهم رغبة البكاء والصياح كما هو الشأن بالنسبة لباقي الحيوانات... قطط وكلاب وحمير إلا كلاب الصيد ترفض الاستنجاد... تفضل إن تموت واقفة كما الأشجار على أن تعيش على الفضلات لأنها اعتادت إن تأكل من طعام معبق بعرقها وعدوها بعد عناء وكد وجهد … بكى الصياد كلبه السلوقي...الكلب يحتضر...قاسمه رغيفه...انسحب الكلب بعيدا... ترك الكسرة وبحث عن نسيم بارد يبرد * قيظ لوعته..توقف... استمر في المشي..تحت الكرمة الهالكة مد جسده...أغمض عينيه..... لا..لا.. لم يمت... للكلاب سبعة أرواح وللسلوقي أكثر... هذا ما ردده العجوز في نفسه ... واصلوا السير تاركين وراءهم بيوتا طينية واطئة هجرتها الكثير من الأسر واستقرت بالمدن ... دور فارغة إلا من الأنين والألم والحلم . ورائحة الطين . أنواع من الحشرات تكثر في الفصل الجاف... خلف التلة تحلق الجميع حول جثة رجل من رجالات القرية ممدة نهشت السباع جهازه التناسلي و أطرافا متعددة من الجسد النتن.....امتصت الأرض ما سقط من قطرات الدم .. تبادل الجميع نظرات قوية وحزينة .... ساد صمت التحق... الساخرون بالحلقة .... خيم جو جنائزي.. أزاح احد الشبان قميصه وغطى وجه الجثة....أخد الجميع يفكر في مكان الدفن... أو الرجوع إلى الدوار قبل غروب الشمس...

ليست هناك تعليقات: