الأربعاء، مارس 26، 2008

صباح انكشاف الانتحاري الذي قضى ليلة تحت سرير بحي الفرح

على هامش أحداث انفجارات حي الفرح : أســربـاتت فـي العـراء وأخرى خربــت بيوتـهــا جريدة الأحداث المغرية خالد أخازي الأحد 15 ابريل2007
الساعة تشير إلى حوالي التاسعة والنصف من صبيحة يوم الخميس، بعض رجال الأمن يرابطون في الزقاق رقم 48 من حي الفرح، هدوء شبه تام، بعض النساء في عناق وهن يتفقدن متاع بيوتهن «على السلامة، حفظ الله وليداتنا من الباس»، الكل ينتظر عودة الحياة العادية لهذا الحي الذي شهد ليلة ويوما طويلين من الفزع الأعمى، المقاهي التي أغلقت بدأت توا توزع كراسيها على الرصيف، والرواد توزعوا على بعض الطاولات يقرؤون الصحف، بعض المطاعم الشعبية، تتهيأ لإعداد وجبات شعبية يعرفها أهل هذا الحي وزواره، وحياة شبه عادية بدأت تدب في الأزقة والدروب والبيوت، التي بدأت تفتح نوافذها على الحياة . النساء على الخصوص يتفقدن آثار مداهمات الشرطة على السطوح والأدراج والغرف ، على السطح الذي انفجر فوقه الانتحاري الأول. أسرة الشرطي بومهادة تتفقد أثاثها وسيدة تحمل في يدها كيس دواء، تقول :«من لبارح ماخذيت الدوا ديال السكر»، بينما سيدة عجوز جالسة على عتبة أحد المنازل، وعلامات الخوف والمرض لم تفارق محياها، «أنا مريضة وعندي الطانسيو، داري مابقاو فيها بيبان ولا شراجم». الشرطي الشاب ابن صاحب المنزل الذي سقط جزء من جداره، تطوع لحماية الصحفيين الإسبانيين «بغيت غير نلبس كسوتي، ولكن الدار كلها رايبة».. في حديث مع أخته وبعض إخوته. على السطح ، خراب وآثار دماء جافة على حبل الغسيل، علامات الإستغراب تقفز من عيون الصحفي الإسباني ومصوره يصر على أخذ صور للدمار والعيون المفجعة والأسر المكلومة، سيدة في الطابق السفلي للمنزل، تبحث في غرفة من غرفها عن شيء ما «بغيت الدوا ديال بنتي، عندها كريز ديال الضيقة، وخليتها عند مي ومبقاتش بغا تجي لدار»، الشرطي الذي لم يغمض له جفن وعلامات السهر بادية على عينيه يقول «هنا انفجر الإنتحارى الأول، وأشلاؤه وصلت إلى السطح الآخر، وبقايا كيس بلاستيكي لازالت على السطح»، «هذا طرف من ذاك شي لتفركع» على السطح قبعة حمراء مخططة بالأحمر ، أحد الجيران يشرئب عنقه من السطح الآخر «راه كاسميطا ديالوا بقا هنا » ، مرة أخرى يؤكد الشرطي أن الشرطة لعبت دورا كبيرا عند إفراغ المنازل من الناس ، بينما يؤكد انه يشك بأن انتحاريا وصفه له ويقول لم يغادر حي الفرح بعد»، قاصدا الإرهابي الذي كان رفقة الذي انفجر على السطح . ويشير إلى نافذة ، تؤدي إلى المنزل رقم 147 «من هنا يمكن يسلت واحد فيهم عندو لحيا خفيفة، باقي مابانش»، يؤكد كلامه أحد المخازنية القاطنين قرب منزل الطبيب «كانو جوج، واحد غبر، واحد تفرقع ، هذا لي سلات هو لسمعتو تيكول، لاخر طلقها عليهم، عاد مشا حدا الحايط وتفركع».. من بعيد عيون تتطلع من نوافذ مهشمة ، وتستطلع الوجوه عبر الشقوق ، فجأة، تغلق النوافذ المتاخمة، وتبتعد الأجساد عن الَضوء الداخل من النوافذ والكوات. عودة غير مكتملة إلى البيوت بينما يتفقد الناس بيوتهم ومنازلهم في محاولة لترقيع الإعطاب التي أصابت الأبواب والنوافذ وشبكة الكهرباء ، يرتفع صراخ حوالي الساعة العاشرة، ويتحول الزقاق من جديد إلى جلبة وفوضى عارمة، وينتشر الذعر سريعا، فتغلق المنازل والنوافذ والمقاهي، على صياح مدو لشاب يهرع خارجا من المنزل رقم 179 «ها هو واحد منهم خرج من الدار ، راه، راه كان بايت لداخل» يؤمن الشرطي ابن صاحب المنزل سلامة الصحفيين الإسبانيين، وينزل أدراج المنزل ، ويقف أمام المنزل مانعا الناس من الاقتراب من الباب «لا تخافوا»، في الشارع يركض رجال الشرطة ، بينما بعض الشباب انطلقوا صوب الهارب في عدو جماعي ، يمر الإرهابي في عدوه السريع أمام شاب، كان يقف في زاوية أحد الدروب ، أمام منزله، صراخ الجماعة المطاردة للانتحاري ، جعله يلتحق بهم ، متعقبا الهارب ، ينعطف على جادة الطريق. يمينا ثم يصيح «شديتو شديتو». لم يكن هذا الشاب الطويل الأبيض السحنة غير أحد أبناء الحي الذي صنع حدث هذا الصباح لينضاف إلى قائمة المواطنين شبان أبطال من الحي. الصديق، البالغ من العمر ثلاثا وثلاثين سنة، متزوج وأب لطفلين ، عاطل عن العمل منذ تم تسريحه من عمله كلحام، لم يمنعه فقره ولا عطالته من التصدي للإرهابي الهارب وإحكام قبضته عليه بذكاء من خلال شل حركة يديه أولا ، ثم التحقت به الشرطة توا لتفتيش خصره ، بحثا عن حزام ناسف، لكن لم يجد غير حبل مطاطي صالح لتثبيت الحزام الناسف ، يزج به في سيارة الشرطة ، التي تنطلق بسرعة بينما لم يعرف حي الفرح بعد حضورا مكثفا لرجال الأمن. يعود بعض أبناء حي الفرح قرب المنزل رقم 149، «طلقونا عليهم» يصيحون في غضب، في هذه اللحظة، تنطلق مظاهرة جماعية عفوية لشباب المنطقة ، منددين بالإرهاب محتفين بالصديق العسري، وباقي الشباب الذين طاردوا الإرهابي وحاصروه منذ انطلاقه هاربا من الغرفة التي أمضى فيها ليلة طويلة في انتظار فجوة الهرب. انتظر السكان هذا الصباح، بفارغ الصبر، العودة إلى منازلهم. امرأة رفقة أبنائها الصغار تخاطب شرطيا «اسيدي بغيت نمشي نشوف داري، راني عييت من البيات عند الجيران»، ينصحها الشرطي بعدم الإقتراب من الدرب «سيري بعيد آلالا، بعدي عل الخطر»، تسقط أخرى أرضا ويغور بؤبؤها في بياض عينيها ، مغمى عليها ، ترشها فتاة برذاذ من كوب ماء. ويتحلق الجيران حولها ، يتبادلون أطراف الحديث. شابة في محاولة لإختراق الجموع ، تردد «واش غانباتو عاوتني برا ..عيينا من لمكلا ديال زناقي» وأصوات أخرى، تقترب من دائرة النقاش «رجل يقطن بجوار المنزل الذي اكتراه الإنتحاريون يردد أمام المحتشدين «داري كاع تخربات، وولادي ولاو خايفين ،إجيو إباتو هنا ، أو زايدون خصني بزاف الوقت باش نصلحو الشراجم أو لبيبان » ، يتقدم شاب رفقة جدته وقد بدا العياء عليها واضحا «واش كاين عندكم الضو أنا شعلت الضوء فالبيت أو مشعلش»، يجيبه أحد الشباب المتواجد بالزقاق «بلا ماتكرفس راسك ، راه تسوطا مع التفركيع». تهرع سيارة الإسعاف نحو المرأة المغمى عليها، تنقلها نحو المستشفى، بينما تتحدث بعض النسوة عن امرأة حامل جاءت ضيفة من الرباط عند إحدى الأسر ونقلت إلى المستشفى ليلة الأمس ، «راه هي ليكانو عاطينها الأوكسجين فسبيطار لبارح فالليل»، تقول مضيفتها، وهي تشرح لجاراتها اللواتي ابتعدن عن البيوت ، خوفا من انفجار مفاجئ. رفع شيخ عينيه بعيدا نحو أحد السطوح متوجها إلى جاره بالحديث «شوف، الحايط تشقق ديال الدار ، نخاف نرجع ويطيح علينا»، تتناول امرأة فطورها صحبة طفلين على الرصيف ، بينما تسأل أخرى طاعنة في السن ، زوج ابنتها «واش جبتي لي الدوا؟»، يرد عليها في غضب «منين غادي ندوز لدار لبوليس عاوتني سدو الطريق، مخلاو حتى واحد إدوز...» يبتسم أحد الشبان للمحتشدين ويقول «كون غير جمعونا فشي أوطيل حتى يساليو ويرجعونا، عيينا من تجلويق». تمنت العيون الكثيرة أن يغمض لها جفن في أسرتها التي ألفتها، وتمنى المرضى والعجزة الذين خرجوا من منازلهم على غرة أن يتمددوا في أفرشتهم ويتناولوا أدويتهم التي تركوها وراءهم ، وتمنى الذين استنفدوا نقودهم أن تنقشع هذه السحابة، ليعودوا إلى غرفهم، وبعدما غلبت الوجبات الباردة معدتهم وجيوبهم، لكن كثيرين منهم، وجدوا البيوت التي تركوها بلا ملامح ، خراب في السطوح وجدران مشروخة ، ونوافذ منزوعة، أثاث مبعثر، وهدم منتشر كخراب الزلازل، لكن الأقسى من كل هذا، المرضى الذين افتقدوا الدواء والفراش والأمان، والأطفال الذين رفضوا العودة إلى البيوت مع آبائهم، بعدما غيرت الأشلاء المنتشرة ودوي الإنفجار نفسياتهم ،وفقدوا هدوءهم ومرحهم ، عبثا تحاول أم أخذ ابنتها إلى الزقاق ،بينما الطفلة تبكي في هيستيرية «لا ، لا عافاك، آماما». سلسلة بشرية على عتبة المنزل، من حيث انطلق الإرهابي هاربا، وقف بعض رجال الشرطة مانعين المحتشدين من الإقتراب، الشرطي ابن الحي، يصرخ «ادراري عاونو لبوليس، متخليوش الناس يقربوا من الدار»، من جديد، يتحول بعض الشباب إلى متطوعين، يشكلون سلسلة فاصلة ، بين المنزل وباقي الفضاءات ، همهمة بين الناس «باقي شي واحد هنا» . في هذه اللحظة ، يظهر ضابط بزي أزرق «سير بدل علي ديك الكسوة» . مخاطبا الشرطي ابن صاحب المنزل الذي وقع على سطحه انفجار الفجر المشهود، «راه حوايجي ، في دارنا ليتريبات» «سير شريهم» يطأطئ الرأس ، ويغيب عن الأنظار في معطفه البوليسي ، هذا الشرطي الذي ينتمي إلى شرطة الدراجات ، وتبخر حماسه ونسي الجميع أنه لم ينم ليلة كاملة وظل يجوب السطوح ، التي يعرفها ، في الحي الذي تربي فيه وخبر أزقته ومساربه ووجوهه، يغادر المكان وقد سلب منه كبرياؤه أمام أبناء حيه . الإرهابي الناجي يقتات من طعام الأسرة تحكي سيدة والكلمات تتعثر بين شفتيها، ورعب عميق يخيم على عينيها، «جيت نخمل البيت ، بانو لي رجلين تحت الناموسية، مني طلينا شفناه غواتنا ، هو يخرج كيجري»، يؤكد الساكنة المجاورة أن هذا الإرهابي الذي اعتقل هو الذي كان معروفا عند صاحبة المنزل ، ورأوه فوق السطوح ،قبل أن يختفي. وتساءل الكثير منهم كيف اختفى من الفجر إلى ساعة هروبه، كيف توارى عن العيون مدة يومين ... كيف.. كيف ... أسئلة لاكتها الألسن وأخرى كتمتها الصدور . يسر أحد سكان المنزل أنه غير ملابسه ، التي لمحوه يرتديها ذاك الفجر من خلال عيون ترصد مطاردات السطوح من النوافذ القريبة، «السروال لي لابس ديال .... والسباط لكحل حتا هو، قلب في الحوايج ولبس بلغة وسروال كان قصير عليه، مني شدو الصديق». تحت السرير في إحدى الغرف قضى الانتحاري ليلة الخميس الطويلة، حينما كان أصحاب البيت عند الأقارب ينتظرون العودة الآمنة إلى منزلهم ،صامتا هادئا، منبطحا على ظهره، وعلى مقربة من السرير جلس بعض الشباب إلى حدود ساعة من الليل، وتمكن من التحكم في جسده وأنفاسه فلم يثر ضجة ولا حركة مشبوهة ، قبل مغادرة المنزل، استعمل قنينة للتبول و استنفد ماتبقى من طعام الأسرة في الثلاجة، وانتظر ...انتظر أن يفتح الباب، ليجد فرصة للهروب ، لكن إغلاق الباب بإحكام فوت عليه فرصة الهروب ليلا أوفجرا.. مر وجه غير مألوف لشباب في الزقاق ، يحمل كيسا في يده و يضع «قبية» كأنه يريد عدم كشف وجهه، يتقدم منه شاب، «شكون أنت»، لم تمهله الشرطة للجواب، قلبت كيسه فوجدوا «كندورة» وحذاء رياضيا ، وهو يقول في خوف «جيت غير نبدل حوايجى»، فضلت الشرطة التحقيق معه في مكان بعيد ،أخذته سيارة الأمن ، ليصل الخبر فيما بعد الزوال ، أن لا علاقة له بالخلية الإرهابية . الانتظار والترقب .... حوالي الساعة الحادية عشرة، امتلأ المكان بالشرطة، وبرجال القوات المساعدة والوقاية المدنية وتم وضع الحواجز من جديد، وتقاطرت وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية. لقاءات وحوارات هنا وهناك، ووكالات أجنبية تستعين بالشباب المتعلم بالحي لتزويدها بالمعلومات، أحد الشباب المعطل، يجيد الإنجليزية ، أصبح توا مراسلا لوكالة دولية عبر مراسلها بالرباط، «الكل يبحث عن الحقيقة فيما جرى هذا الصباح لكن الحكايات تناسلت والبطولات تنامت وتنوعت، وكاميرات مختلفة تترصد من بإمكانه أن يحكي حكاية عما وقع ، في غضون ذلك بدأ المصورون الصحفيون يلتقطون صورا لشرطة بزي مختلف ورشاشات، يغضب ضابط للسيمي رفيع المستوى «واش حنا ميخيات باش تصورونا». من جديد شل كل نشاط بالحي، وغادرت الأسر التي التحقت بمنازلها ليلا بيوتها خوفا من كارثة محتملة، أغلقت الدكاكين والمقاهي وتعطل كل نشاط تجاري بالحي والأزقة المجاورة ، بعض الكاميرات تبحث عن الصديق العسري الذي بدا متعبا شاحبا ومنهكا، من كثرة الأسئلة، وظل الجميع ينتظر شيئا ما، لا شيء غير الانتظار، الانتظار، إلى حدود الساعة الخامسة والنصف. سيارات الشرطة المألوفة مرفقة بسيارة أخرى تحمل علامة «المركز الوطني لترويض كلاب الشرطة» تحل بالمكان ، وتعيد للفضاء أسئلة جديدة وحرارة جديدة في حشود الصحافيين في ساعة بدأ الكل يفرك يديه من الانخفاض المباغت لدرجة الحرارة ، وتتقدم الحشود ...خصوصا من الصحفيين الذين رابطوا بالمكان دون أن يصيبهم ملل انتظار المجهول، خصوصا وأن رجال الأمن قاموا بعملية تمويهية لتفريق الحشود ، عندما خففوا أعدادهم ،وأعطوا انطباعا للجميع بأن كل شيء انتهى عند الساعة الخامسة ، تقدمت الكاميرات نحو سيارات الشرطة القادمة، بدأت الكلاب المدربة تقفز خارج السيارتين تباعا، خمسة من فصيلتين مختلفتين مرفقة بشرطة خاصة تقتحم المنزل الذي قضى فيه الإرهابي المعتقل ليلة الأربعاء ، يسود صمت وانتظار ، والكل ينتظر في الخارج ما ستسفر عنه عملية البحث بواسطة الكلاب المدربة. طال الانتظار ، وبدا أن الكلاب تمسح منازل مجاورة، متاخمة، فجأة يخرج الشرطي الأول ، يأمر كلبه بالصعود إلى السيارة، العيون تتطلع إلى باب المنزل، والأعناق تشرئب وآلات التصوير تلتقط الصور ، فاصل زمني آخر قرابة نصف ساعة ، يخرج رجال الأمن مرفقين بكلابهم ، ويتردد السؤال «هل وجدوا شيئا». تنطلق سيارات الشرطة ، بينما يتنفس الجميع الصعداء لما اكتشفوا أن الكلاب لم تجد أي حزام ناسف أو بقايا متفجرات، خصوصا وأن السؤال العريض الذي كان يتردد، «أين ترك الإرهابي المعتقل حزامه الناسف» تغادر الشرطة حي الفرح، بعض القوات ترابط بالمكان حفاظا على الأمن خصوصا وأن رفع الحواجز أدى إلى مد جماهيري على الزقاق في جلبة وضوضاء من مناطق مجاورة وأحياء أخرى، حكمت الأقدار على ساكنة عدة أزقة بحي الفرح أن تقضي ليلة أخري في العراء، وعند الجيران ، وفي الفنادق، في الوقت ذاته فقدت عائلات أخرى السكينة وقررت مغادرة الحي التي اكترت فيه شقة منذ سنين، عاد إلى الحي هدوءه مع سقوط الظلال الأولى ليلة الخميس، ولم يجرؤ إلا قليل من السكان على العودة إلى المنازل، من جراء عمق الخوف وانتشار إشاعة وجود انتحاري آخر في الحي، وفضل الكثيرون قضاء ليلة أخرى بعيدا عن الزقاق ، الذي فقد فرحه مند أيام.

ليست هناك تعليقات: