الاثنين، مارس 24، 2008

الثوب الأبيض

قصة قصيرة
الثوب الأبيض على حافة السرير جلس الفقيه ونقع مضغة صوف في كأس ماء، تم عصرها بتمهل في فم الرجل الممتد والذي لا شيء يدل على بقية حياة في جسده غير حشرجة في الصدر وبصر غائر مسافر...رشف الحلق قطرات الماء ووجد الجسد المنهك بالمرض الطويل صعوبة كبيرة في ابتلاعها، كحة خفيفة...عينان تجحظان ،جبين يتفصد عن عرق غزير بارد،يدان ترتعشان ،محاولة يائسة للنهوض، كديك مذبوح يسقط رأسه على الوسادة، يضع الفقيه يده على الجبين، يتلوا آية يس في شبه همس، يفتح الرجل عينيه يوزعهما على الغرفة، يتفرس الوجوه ،يستقر نظره على صورة على الجدار لرجل قوي النظرات في بذلة عسكرية وقد زينت أكتافه نجمات نحاسية. ينظر إلى الوجه الذي كان وجهه ويحاول استرجاع تفاصيل الصورة... ينقع الفقيه مرة أخرى مضغة الصوف ويعصرها بين شفقتي الشيخ، يبلل ريقه ويمسح بيده على جبينه. على حافة السرير الأخرى جلست زوجته، من حين لآخر ترتب سريره، تغطي جسده باللحاف الذي ينزلق من حين لآخر بعيدا عن الجسد النحيف، تهتف في وجهه "العربي..العربي " يتفرس وجهها كأنه لأول مرة يتعرف على هذه المرأة التي قاسمها الحياة أكثر من نصف قرن، يشير بإصبعه إليها، تقترب بأذنها من فمه ، يهمس بضع كلمات، تنهض لتختفي في الغرفة الأخرى. بعد أربعين ليلة التقى الجميع في البيت نفسه، اجتمع الذكور والإناث والأصهار والكنات، سألت البنت البكر أمها "ماذا همس لك المرحوم في أذنك قبل الرحيل " نظرت الأرملة إلى وجه ابنتها وقالت لها " همس في أذني، لم تشتر ثوبا أبيض بعد "

ليست هناك تعليقات: