الثلاثاء، مارس 25، 2008

بروفايل أحد انتحاري سيدي مومن الناجين

نشرت هذا الروبرتاج لما كنت صحغيا بحربدة الأحداث المغربية الكاتب :خالد أخازي

قاسم يوسف الخودري أحد القاصرين الذين تراجع عن تفجير نفسه في آخر لحظة في مقهى الآنترنيت بالدار البيضاءضمن مجموعة عبد الفتاح الرايدي . والده محنة البحث عن لقمة العيش اليومية وسط زحام الباعة المتجولين وقاسمه الخوف اليومي من مصادرة السلعة. صغيرا لفظته المدرسة و تاه في دروب وأزقة البيضاء. تعاطى المخدرات الرخيصة، وعاد ذات يوم مؤمنا ملتزما بالشعائر، يقيمها بانتظام وحرص، الأمر الذي أثلج صدر الوالدين وأدخل الطمأنية قلبيهما... عاد ليقاسم الوالد جولة بيع النعناع ...رحلة شاقة ومعاناة يومية ... وحقد دفين ينمو كلما اطر للهروب والأب الضعيف وفي يدهما كيسا النعناع. أصبح جاهزا نفسيا واجتماعيا لأداء دور الكاميكاز، وسهلت جميع المفارقات والعوامل سقوطه بسهولة في براثين التطرف ... حقد يتنامي في رحلة الخبز بالسويقة و أب لا يتوقف عن رسم صورة العوز والذل يوميا أمام عينينه.. الطريق إلى براكة يوسف الكويدري لا شيء تغير في معالم دورار السكويلة، كل مؤشرات الفقر والتهميش والضياع قوية الصعود نحو أرقام مخيفة. مجارى مياه الصرف الصحي تنساب فوق الأرض مجاورة دكاكين متفرقة في الأزقة لبيع اللحوم والخضروات، أطفال صغار يلعبون في المطارح وبين الأزبال وطفلة صغيرة لم يتجارز سنها 10 سنوات تمر من زقاق نحو بيتها وقد بدت على هندامها معالم الحجاب الأولية، وجوه ملتحية وأخرى قهرها الخمر والمخدرات والبطالة وآخرون يجرون عرباتهم بين الممرات الضيقة القاتمة ، ونساء ينشرن حبات القمح على عتبات البيوت المظلمة وعلى مقربة من أنهار الًصرف الصحي...لا شيء تغير هنا في مزرعة القنابلالعميا ء منذ خرجت أول الخفافيش من جحور الجهل والفقر والبؤس ...لاشيء تغير غير مركبات سكنية جديدة متاخمة ومعامل جديدة تشغل يدا عاملة من مناطق أخرى .. في بيت عشوائي مكون من غرفة واحدة، ومطبخ بين الأزقة الضيقة العفنة لدوار السكويلة رأى يوسف الكويدري النور بين أحضان والدين فقيرين لا عمل لهما سوى التجوال في الأسواق العشوائية لبيع النعناع وإنقاذ حزماته من الحجز والهروب من المطاردات اليومية. ولد في عز أيام الربيع من سنة 1989. لم يبلغ ليلة اعتقاله سن الرشد القانوني وبالتالي نكون مرة أخري أمام قاصر، تم تجنيده وتحويله من مراهق يعشق تربية الحمام والأرانب والعصافير إلى قنبلة جائلة تنتظر التعليمات الأخيرة، لنشر برك الدم والرعب في مدينة الدار البيضاء. حيرة الأسرة لم تستطع الأم الشابة التي وضعته في هذه الدنيا أن تخفي دموعها وحسرتها على ولدها الذي فقدته مرتين مرة لما قرر مغادرة البيت منذ أسبوعين واضعا على ظهره حقيبته، ومرة لما وصلها خبر اعتقاله بعدما أقدم على المشاركة في عملية انتحارية، انحصرت دائرة ضحاياها، ولكن كبرت حلقات الأسئلة المحرجة من جديد لجميع الأطراف الأمنية في المغرب. فالمراهق خرج من جديد رفقة الإنتحاري الذي نسف محل الإنترنيت من رحم دوار السكويلة، من تناقضات البؤس والفقر وأدغال عالم تتجاور فيه الجريمة وأغاني الراى وأصوات تلاوة القرآن الكريم المنبعثة من الدكاكين البئيسة. تنهمر الدموع من عيني الأم «وليدي كان درويش كيعون باه»، في هذه اللحظة يخرج الأب المرهق بسنين التعب ورحلة البحث عن لقمة العيش في سوق متاخم لدوار السكويلة ويشهر كيسين «» شوف وحاد ديالي أو وحاد ديالو أنا كنبقا فالسويقة أوهو كيدور إبيع النعناع ». الأم عائشة حسني، لازالت علامات الشباب بادية على محياها، تزوجت وهي يافعة بالأب محمد الكويدري وأنجبت له ستة أبناء، رابعهم يوسف، وجد المعيل صعوبات جمة في تدبير متطلبات الحياة اليومية لأبنائه مما جعل الزوجة تقدم على مساعدته، لكن مرة أخرى الأمية سيدة الموقف، فيوسف لم يتجاوز تعليمه السنة الثالثة، وغادر المدرسة في ظروف مجهولة، بيد أن عوز الأب أكبر المحفزات لمغادرته المدرسة. البنت الصغيرة للأسرة الحائرة ترتمي في حضن الأم التي انهارت أمام مختلف الزائرين من فضوليين وصحافة مرئية وبصرية ومكتوبة و رجال الأمن والسلطة المحلية ، يغلبها البكاء، ولا تتوقف عن ترديد «كان كينعس حذايا وكيقفز بزاف فلليل ورجع نعسو . ولدي درويش، خرج عليه لاخر». وجوه كثيرة تتطلع إلى وجه الأم التي اختلطت مشاعر الحزن في وجهها ومشاعر الريبة والخوف «حنا غير دراوش ، سول الناس علينا» . من «شمكار » إلى قنبلة بشرية لا يخفي الوالد جزءا من حياته ابنه، فهو يقر أنه كان متشردا لعدة سنوات، يستنشق السيلسيون ويتيه في الأزقة والأماكن العمومية ليلا نهارا ولا يمكن أن يصدق أنه كان يتقن التواصل عبر الأنترنيت «هوا مقاريش، كيفاش غادي دير في لوردياناتور» يعزز عم يوسف عبد الكريم كلام الأب الذي يقفز الخوف من عينيه أكثر من الحزن والحسرة، ويفتح قلبه وبابه للجميع ببساطة ونية وتعاون ملفت الإنتباه «واش جوج سيمانات رداتو هوكدا، العجب هذا، يوسف درويش مقريش» يجمع الجميع من أفراد أسرته والجيران أن شخصية يوسف الكويدري انقلبت بشكل سريع دون أن يلمسوا أو يدركوا وقع التحول في محيطه ويعتقدون أن مغادرته للبيت منذ 15 يوما هي التي جعلته فريسة لغسل الدماغ كما تقول بصوت مرتفع زوجة أخيه «غسلوا دماغه وحولوه إلى ارهابي، ليعلم الجميع أنه لازال قاصرا لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره. لقد أثروا عليه لصغر السن والأمية». إن الجزء المهم من طفولة يوسف الكويدري تأرجع بين الإنحراف وشم السلسيون والقيام ببعض المهن البسيطة، ليستقر في بيع النعناع كمساعد لأبيه، وتجربته هي التي أوحت له بسيناريو التضليل الذي حبكه لما أوقفته دورية الشرطة ومثل دور الشمكار الذي كان يتقنه لأنه عاشه وخبره وشكل جزء من سيرة ذاتية قريبة جدا. علاقته بالصلاة علاقة أي مراهق، نهاه والده عن الإنحراف ووصاه بالصلاة ليخرج من «التسلكيط». لايتردد عليه أي ملتح ولم يسبق للأسرة أن عرفت أن له نشاطا دينيا ما، لكن انقطعت أخباره منذ أسبوعين، تاركا كيس النعناع وأبا يصارع الزمن القاسي لإعالة الأسرة رفقة أم تغلبها الدموع من حين لآخر. من هنا مر الظلام منذ سنوات عبر متناقضات اجتماعية واقتصادية وأسروية وامتطى في أغلب الأحيان عماء العقول لأفراد لفظتهم المدارس قبل الأوان. لا أحد شفع ليوسف الكويدري اختياره التحول إلى قنبلة تحصد الأبرياء للتعبير عن سخطه وتفجير حقد نما وسط العوز، لكن كيف استطاعوا الوصول إليه وتحويل حقده إلى صدر وطنه وأهله . أي وسيلة هذه غسلت عقلا في ظرف أيام وحولت صاحبه إلى طامع في جنة سريعة هربا من جحيم الأيام الصعبة داخل أسرة متعددة الأفراد وتقاوم أجل من البقاء. .. تغادر «الأحداث المغربية» بيت الإنتحاري الناجي ملتقطة آخر نحيب للأم التي احتضنت صغيرتها مرة أخرى والأب يردد «البوليس جاو فلليل عاملوني مزيان، الله يرحم الوالدين، متكرفسوش علينا».. وسط الحشود ورجال السلطة والأمن علامات الحيرة والأسئلة الكبرى منتشرة ... لا أحد يصدق لحد الآن أن يوسف الكويدري الطيب العاشق للحمام والأرانب والطيور تحول حقدا من المسامير والبارود موجه إلي صدر وطنه ومواطنيه .

ليست هناك تعليقات: