الأحد، مارس 30، 2008

الخرافة وسلطتها في اليومي الانساني

السبت 12 مايو 2007
الخرافة وسلطتها في اليومي الانساني الخرافة تسكننا وتمارس سلطتها علينا رغم انفنا، كثيرا ما نعبر عن كوابيسنا وضغوطاتنا النفسية التي تتحول ليلا في دهاليز النوم إلى معركة مع كائن لا يوجد إلا في خيالنا، فيصبح «بوغطاط» جزءا من التعبير اليومي عن اضطرابات نفسية عصبية مؤقتة، لكن بدل البحث عما نغص علينا صفو ليلة صعبة، في تراكمات اليومي، نكتفي باتهام كائن صنعته جداتنا في الليالي الباردة وظل يسكن لغتنا وفهمنا «جاني بوغطاط»। «تمنيت أن أرى «بوغطاط» هذا الكائن الذي كان يجثم على صدري في بعض الليالي ويمنعني من العبور إلى الكلمات، فغادر حجرتي مذ نصحني صديقي بعدم تأخير العشاء، فأدركت أن هذا الكائن يخرج من طاحونة معدتي المتعبة ليلا...» هذه عبارات رجل انتصر على بوغطاط، بينما لازال آخرون يرشون الملح في المطارح قبل رمي الأزبال ونساء يمتنعن عن أشغال البيت في ساعات معينة من اليوم احتراما للجن أو خوفا من «تصادم في الممرات» وآخرون تأخذهم الرعشة عندما ينفلت إبريق ماء ساخن من يدهم فيسيل الماء الساخن الحارق على الأرض أو نحو المجاري خوفا أن يصادف هذا الإهراق عائلة من الجن، فيحترق صبي منها، فتنتقم الأم أو الأب «بتعويج» الوجوه وتشنج الأجساد ...حكايات متنوعة مع الخرافة تجعل الإنسان يفكر أكثر من مرة قبل أن يطأ بقدمه شبر ارض قد يكون مأهولا بمخلوقات لاترى، لكنها تحرق وتنتقم وتغضب و... تنتهي أشغال هذه السيدة المنزلية بحلول العصر وتوصي بناتها بإلحاح بسلك سلوكها والاقتداء بأعرافها حماية لهن من ضربة جني أو جنية تم إزعاجهما خلال زمن مخصص لسكان العالم اللا مرئي من جيراننا من الجن «ماتشطبوش ورا العصر». وحينما نحاول أن نفهم لماذا تشل الحركة عند العصر في هذا البيت، ندرك أن هذه السيدة تنظر إلى عالم الوجود على أنه وجودان متوازيان متجاوران منذ الأزل، وجود للإنس ووجود للجن، وكأن هناك تعاقدا قديما بين الشعبين/الأمتين /الجنسين تناقلته الرواية الشعبية ولازال حاضرا في السلوك اليومي لبعض النساء... بعد العصر يتحرك الجن ويخرج لأشغاله «نقدر نكون نشطب ونتعدى عليهم، حيت هما عايشين معانا أوما كنشوفهمش» حذار، أيتها النساء، فعالم العفاريت والأشباح يفتح بوابته عند العصر، حسب هذه السيدة ، فعطلن مكنساتكن حتى الصباح، وامنحن المجال لهؤلاء اللا مرئيين، فزمنهم قد انطلق. الماء الساخن الذي يحرق سكان المجاري تنقص الشجاعة عدة أشخاص، ذكورا وإناثا لصب الماء الساخن في المغسلة أو المجاري، أو حتى على الأرض، بل متعلمون ومتعلمات، يأخذون الحذر كلما تعلق الأمر باستعمال الماء الساخن، يعتقدون أن الجن والعفاريت يقبعون في مكان ما في هذه المجاري بل يفضلون عالم «القرقارات» الضيق. وتصر ليلى أن زميلة لها «تعوجت من فمها» بعدما صبت الماء الساخن في «لافابو» والفقيه شرح الأمر وهو يفاوض الجنية التي انتقمت من صديقتها «تعدات عليهم، حرقات واحد الجن صغير من ولادهم». وعزيز المدرس نفسه لايستطيع السيطرة على سلوك يقوم به بدون أن تكون له القدرة على تغييره «كيشيط لي الماء السخون، كنبغي نكبو في بيت الماء، كنزيد فيه الماء بارد، الله يستر نخاف لنحرق شي جن». تمتنع هذه الشابة عن بعض المهام المنزلية، فور غروب الشمس، جامعية وتمتلك مكتبة غنية، تسكن رفوفها أفكار نيرة وجريئة من «عقل نيتشه» و«وجودية سارتر» وشظايا أنوثة متمردة عن العقل الذكوري وارتهان «الكائن اللطيف» لواقع التخلف لكن رغم ذلك فهي تسقط ضحية سلطة «الأسطورة» التي لم تكنس هواجسها سيل الكتب التي تؤسس لقطيعة مع الخرافة والتي كانت تلتهمها التهاما دون أن تشرق شمس أفكارها العقلانية على شواطئ نفسها المظلمة بجهل «الخرافة». الملح السحري تعود عمر في طفولته أن يحمل قمامة البيت إلى مطرح عشوائي في ضاحية الحي، لكنه لم يكن ليقوم بهذه المهمة الشاقة والمرعبة لولا تسلمه حفنة ملح، كانت تضعها أمه في يده قائلة «رش الملحة عاد لوح الزبل». يبتسم عمر هذا الطبيب البالغ من العمر الآن 42 سنة والمتزوج منذ عشر سنوات مضيفا «الملحة في تصور الوالدة كتجري على الجنون، حيث هما ما كيكلوا غير المسوس». وظل عمر يرش الملح في المطارح قبل رمي زبالة البيت، إلى أن «حن الله على الدرب ديالنا ودارو الطوارو». ويكن عمر احتراما وتقديرا خاصا لهذا «الطارو» التاريخي الذي أعفاه من رحلة يومية نحو مطارح عشوائية، تسكنها المردة والعفاريت ويضطر لرش الملح على رؤوسها «المختفية» لتغادر المكان «طالبا منها شرع الله». بوغطاط شبح النوم يشعر بعض الناس بثقل كبير يجثم على صدورهم ويقطع أنفاسهم ويمنعهم من الصراخ ويشل حركتهم ، فيحاولون عبثا الصراخ لكن الكلمات تظل حبيسة في الصدور فينخرطون في معركة ضروس وهم في عمق نومهم من أجل طرد هذا الكائن الليلي الذي قد يحول نومك إلى جحيم «بوغطاط» هذه الشخصية الخرافية التي تحولت مع الزمن إلى وصف جامع شامل لهذا الخناق الليلي والشلل العام في الجسد والجوارح والوعي بالحالة دون القدرة على تجاوزها. الكل يتحدث من حين لآخر عنه «جاني بوغطاط هذ الليلة»، «كرفسني بوغطاط هذ الليلة» بحثا عن تفسير ملموس لتلك الحالة النفسية والعذاب الليلي الذي يعيشون تحت وزره دون أن يتمكنوا من فهم ما يقع لهم وبالتالي يتحول هذا الكائن الخرافي إلى مشجب يعلق عليه الجميع كوابيس الليل وحالات نفسية وعصبية يعيش تحت تأثيرها النفس البشرية ويتجاوب معها الجسد فيما يسمى الآثار السيكو-جسدية. وبوغطاط كما صاغه الخيال الشعبي في ثقافتنا الشعبية لا يرى، لكننا ونحن صغار اجتهدنا في رسم صورة مادية نجسد في معالمها هذا الزائر الليلي غير المرغوب في زيارته، والذي يجيد شل الشعور وجارحة الكلام. ويكفي أن نحرك الجسم لينسحب بعيدا...بعيدا، فتخيلناه بسلهام أسود ضخم الجثة يستغل الظلام لينقض على النفوس المتعبة من شقاء الأيام «بوغطاط بريء من مخاوفنا التي تتحول اختناقا ليليا، بوغطاط بريء من متاعبنا وضغوطنا اليومية التي تعبر عن نفسها في فوضى المواصلات العصبية ليلا، بوغطاط بريء من كسل معداتنا التي يرهقها العمل ليلا في جسد متخم غارق في الدهون فيعلن ضغط الساعات الإضافية لمصنع المعدة الليلي تمردا في بعثرة رسائل الجهاز العصبي، الأنكى من هذا مخاوف الصغار ورهاباتهم التي تعبر عن نفسها ليلا بواسطة بوغطاط البريء من اتهاماتنا لأنه بكل بساطة لم يوجد إلا في خيالنا الذي لما يعجز عن الفهم يخرف....بدل ان نبحث عن نبع الخوف نحمل المسؤولية كائنا، يتهم ولا يستطيع أن يسمعه أحد أيضا حينما يصرخ من خلال ومضات العقل «خليوني ف التقار أنا مامجودش بعد ....لست موجودا»». نوبة صرع في الشارع العام والبحث عن المفاتيح كثيرا ما نقف على مشهد مأساوي لشخص ذكر أو أنثى صبيا كان أو راشدا، يسقط في الشارع العام بسبب نوبة صرع، يتحلق الناس بينما تتشجنج عضلات المصاب ويترنح جسده ويرغي فمه وأحيانا يصدر أنينا عميقا، يتقدم أحد الفاهمين ويسأل في ثقة «شكون عندو سوارت» فيتم وضع سلسلة من المفاتيح بين أصابعه، في انتظار أن يقهر المعدن هذا الجن من الذكور أو الإناث فيغادر الجسد المترنح «مسكين فيه المسلمين». المسلمين في لغة العامة هي تلك الأرواح الشريرة التي تعصر الجسد والقلب والنفس فتحول كائنا هادئا إلى بشر لا يشعر بما حوله، قد يتعرى ويتخبط في التراب، يعيش المسكين نوبته، وحينما يسترجع الشعور يمضي إلى حال سبيله، والكل مدين للمفاتيح القاهر معدنها للجن، بيد أن الصرع مرض مرتبط حسب المختصين بشكلين من الأعراض، إما خلل في جرعة الشحنات الكهربائية في المخ، وتوجد أدوية قادرة على تنظيم هذا الخلل، الذي يرصده جهاز القياس الكهربائي للدماغ، وفي حالة عدم وجود هذا الخلل العضوي، فالحالة تصنف ضمن «الهستيريا» وهناك أدوية خاصة بها، ومن جديد فالكائنات الخفية بريئة من غرائب وظائفنا الجسدية. غرائب بعض الأواني المنزلية تعتقد هذه الأم أن بعض الأواني المنزلية لها تأثير ما على القدر والمستقبل، فالضرب «بالمغرفة» شؤم لا مفر من سلطته في بعض الأوساط العائلية. فضربة طائشة لمغرفة قد تحكم على فتاة بالعنوسة وعزوف العرسان عن دق باب بيتها. وتتحاشي بعض الأمهات وهن يكنسن، توجيه ضربة للبنات بهذه «الشطابات» التي لها تأثير على مصير البنات اللواتي يصبحن بفعل ضربة المكنسة، كالزبالة لا أحد يرغب فيهن وبالتالي تتماهي صورتهن وصورة ما يكنس من البيت لتفاهته، فما يرمى «شياطة» وهذا التقابل بين فعل المكنسة وقدر الفتاة عقيدة اسطورية حاضرة لحد الآن في عدة أوساط. حكمت الأقدار على هذا الرجل أن يلج السجن في قضية تزوير، ما إن عاد مرفوقا بزوجته، حتى وقفت العائلة على عتبة المنزل وكسرت «إناء من الطين» ووضعت غربالا تحت قدميه ليطأ على شبكته. وتعتقد هذه الأسرة أن كسر الإناء الطيني وخرق الغربال طقوس العائد من السجن، وهي تعاويذ تجعل الحدث المأساوي لا يتكرر . خالد أخازي الاحدات المغربية

ليست هناك تعليقات: