الأحد، مارس 23، 2008

مشاهد تغتال الكرامة

هانا آخويا
كلما اضطررت لركوب سيارة أجرة كبيرة بالدار البيضاء، مكدسا داخل علبة قصديرية، تضبق داخلها الأنفاس وتختلط الروائح النتئة وعطور النساء وبعض الرجال والفتية، إلا وتساءلت، كيف يتقاسم في ألم مواطنان المقعد الأمامي ورغم ذلك ينخرطان أحيانا في حديث عابر؟
شيء ما يجعل هذين الراكبين يقبلان باختلاط ضفتي جسديهما دون ردة فعل تذكر...من حين لآخر يتزحزح أحدهما من مكانه باحثا عن وضعية أفضل تريح ألما مفاجئا ألم بفخذة أو كليته أومؤخرته...كلما تحرك أحدهما إلا واستجاب لحركته الطرف الآخر بحركة...فسحة صغيرة...تغيير الأوضاع...ابتسامة.....عبارة "هانية آخويا" أو "ماكين باس آلاخت/آلا لة/ ....." وأحيانا قد يضطر راكب إلى تنبيه من يقاسمه المقع الأمامي الذي ربما شعر با لضيق و وأراد أن يأخذ لجسده مساحة أكثر من المقعد الذي زاد من جحيمه حركة السائق وهو يغير السر عة معتمدا على مقبض قريب من المقعد...كلما مد يده إليه اضطر الراكبان لتكييف وضعهما مع وضع مغير السرعة.
قد يطول العذاب بطول المسافة ويتلون حسب كتلة جثة الراكبين والروائج المنبعثة من الآباط والجوارب والأفواه حسب سعة صدريهما..
ووراء السائق، تتوزع أربعة أجسام، تتقاسم هي أيضا في صمت ودون احتجاج يذكر ثلاثة مقاعد...فيضطرون جميعا لعجن الأبدان وقولبتها لتلائم وضع السفر، وغالبا ما يتناوبون دون اتفاق على التقدم بالأكتاف خارج صف القعود ، فاسحين المجال لالتصاق غير عنيف وأقل ألم. للأبدان المرهقة ..
سيارة الأجرة الكبيرة ى في المغرب ، تدوس كرامة المغاربة يوميا...فهم مضطرون في صمت إلى اقتسام فضائها ضدا على الكرامة...نساؤنا تلتصق أجسادهن بأفخاذ الغرباء... وعوراتنا تؤجل أعراض عرق النسا إلى قدر مفاجئ..
حينما، أتمعن في تلك السيارة الألمانية المكدسة بالناس، وقد تقل في منتصف الليل السكير والتقي والشاعر والعاهرة والعاملة والعاطل...أتساءل...من أين يبدأ الحديث عن الكرامة في وطن الحقوق والكرامة....وأنا أرى يوميا مشاهد تغتال الكرامة وتحول المغاربة إلى مجرد عابرين في صمت...يقبلون بجحيم سيارة أجرة لأن لا خيار لهم، غير الركوب والصمت واقتسام ما لم لا يجب أن يقتسم..

ليست هناك تعليقات: