الأحد، مارس 30، 2008

من عالم السجون إلى ممارسة الفتوة في الأسواق والدروب: ظـــل فـــتوة زمـــان

السبت 31 مارس 2007 فتوات من نوع جديد، تنتزع سطوتها وسيطرتها على مجال غزواتها بالقوة والعراك الدامي والتهديد والوعيد والعربدة وتعاطي المخدرات المهلوسة ، لايستقرون في مواقعهم إلا بعد إسقاط كل الفتوات المنافسة والمحتملة ، لهم القدرة على تحويل حياة الناس إلى جحيم، يتوزعون على الأسواق والفضاءات التجارية ويفرضون رسوما يومية على الباعة والفراشة، عبارة عن إتاوة يومية أو نصيب من السلعة، تعطى على مضض، نموذج من الفتوة ينظر إليه فتوات سابقون نظرة استغراب وتحسر على «رجال زمان». فتوات هذا الحاضر، في الزمن البيضاوي الغارق في التناقضات، تودع قيم و أخلاق فتوات زمان، على الأقل كما تصورناهم من حكي الآباء والأجداد، وكما عاشت مع ظلالهم الأجيال الأخرى ، فتوات هذا الزمن الحربائي لا تذود عن الدرب والزقاق من غصب الدخلاء ولا من بطش الغرباء...فتوات جديدة ، تغلف جبنها بالبطش والترهيب واستعمال الأسلحة البيضاء لتوزيع خرائط الإتاوات المغصوبة ، المنتزعة بالدم والقهر والغلبة والقهر من مواطنين اختاروا الرصيف أو الأسواق العشوائية لممارسة تجارة هامشية .فتوات تقتبس صورة الشخصية المافيوزية للحصول على رسوم يومية مقابل خدمة يؤديها «صعصع» الدرب أو السوق للسكان والتجار ، إنه يحميهم أولا من بطشه وجبروته ، إنه يأخذ مقابل « إعلانه أن البائع الفلاني في حماه » الإتاوة تعني « أدعك في سلام » ..الإتارة تعني «لن أبعثر سلعتك ولن أسلط عليك صغار الفتوة من المنحرفين لسرقتك وبعثرة فراشتك أو عربتك...». فتوة الأسواق العشوائية قد تصادف وأنت في طريقك تجول سوقا شعبيا بالحي المحمدي ، شابا موشوم العضلات ، تتوزع الندوب الغائرة على ساعده ، وندب آخر عميق يخترق الوجه ، يطوف بين الباعة من خضارين وتجار وباعة فراشين ، يأخذ من هذا فاكهة ، ومن الآخر خضرا وهكذا يقتات على سلع السوق أو إتاوة رسمية يومية ، مقابل السلام والأمن والبيع دون التعرض للتخريب والعنف ، ...لا تستغرب فهؤلاء هم فتوات الدارالبيضاء الجديدة ، عصابات مفيوزية تزرع الرعب والخوف والعنف على الرافضين أداء الإتاوات نقدا أو سلعة ،لكنهم أذكياء ، فكثيرا ما يبررون غارتهم اليومية على الباعة بدورهم في تنظيف الفضاءات وتخليصها من الأزبال. السوابق العدلية ورقة مرور إلى الفتوة بين العربات والفراشات في أسواق الحي المحمدي ، يتوزع الفتوات الذين يزرعون الرعب والخوف بين الباعة المضطرين لشراء رضاهم مقابل إتاوة يومية يقدمها كرها البائع، نقدا أو سلعة ، أمام أعين الجميع ، إتاوة تتحول إلى مقابل لتكنيس الفضاء من الأزبال التي تخلفها عربات بيع الخضر والفواكه ومختلف فضاءات البيع، لا أحد بإمكانه الا متناع عن أداء المقابل اليومي ، إلا إذا كان هو نفسه له سجل عدلي دسم أو «معري عللاص» ولهذا فالفتوات يختارون من الباعة من يخشى على نفسه وسلعته ، والذي ليس أمامه إلا دفع الإتاوات المختلفة للإستمرار في تجارته البسيطة ، غالبا ما يؤدي الإمتناع إلى ردود فعل دموية ، تتبعثر خلالها السلعة ، وتصبح الحادثة عبرة للممتنعين المحتملين ، «علاش كاطعطيه الفلوس» يجيب البائع « مكاد عل صدع هذ المساخيط ، شوف غير كمارتهم تخلعك» نعم هكذا يشعر هذا البائع الكهل أنه مطالب بتأمين خمر و سجائر وطعام هذا الفتوة العربيد و الذي ليس له «ما يخسر» ، المستعد لتحويل حياة بائع متمرد إلى جحيم أسود. يقع التنافس الضاري حول فتوات الأسواق ، وتحسم ورقة السوابق العدلية معركة السيطرة على المواقع الحساسة والمدرة للعطاء، كما تحسم القدرة على العراك الدامي ، باستعمال الأسلحة البيضاء وكثرة الأشياع والأتباع معركة السيطرة على الأسواق والمداخل اليومية ، فالشراسة والخطورة والعربدة والهلوسة عوامل محددة لفتوة لا يقهر ولا يرد ، وهو يطوف بين الباعة لجمع الرسوم اليومية ، وويل لمن سولت له نفسّه الإمتناع عن الأداء. يذكر الشيخ الطاعن في السن فتوات زمان فيقول متحسرا « فين هما الرجال ، الله يهديك ، كان السي أحمد بحال لغول ، شكون إكد، عليه السبسي في يد والقرعة في ليد لخرى، ولكن سيدي أو مولاي ما يتعدى على مرا ولا راجل. كان احمي المسافر أولعراس ، وصوتومسموع عند الجميع حتى نصارى». في المقابل يظهر فتوة أحد الأزقة المحترم جدا لجبروته وعربدته ، كلما خرج من السجن بارك له الجميع وذهبوا بقوالب السكر عند زوجته، غالبا مايلج السجن من أجل العراك في حالة سكر « لا يبيع المخدرات ولا الخمور ، ولكنه يسمح للكرابة وتجار بيع المخدرات بالبيع في السيكتور مقابل إتاوة رسمية، والغريب في الأمر أن الأسر تلجأ إليه عند تنظيم الأعراس والأفراح لضمان الأمان والسلم خصوصا الأعراس التي تتأخر حتى أواخر الليل، يكفي أن يجلس على مقربة من بوابة «بنية» العرس لمنع المتشردين والصعاليك والمتطفلين والفوضويين من الدخول ، يصبح بكل بساطة «فيدور ديال العرس» ويقاسمه الليل شلته وأذنابه من صغار المنحرفين يعملون تحت سخرته، بينما هو يتجرع أقداح النبيذ ، ويشعل لفافات الحشيش تباعا». ما جعل لقب الفتوة يليق به ، هو كونه كثير العراك من أجل أبناء وبنات الحي ومعروف بشدة بأسه و عراكه، لا يأخذ مقابلا إلا عربون مجاملة من السكان تطوعا « هاك آ...فلان... خذ آفلان باش تشري لكارو. آجي هاك دي الدار ...وهكذا » قليلا ما يلجأ إلى اعتراض سبيل بعض الساكنة ، محييا ، مستلطفا فإذا حيى فهذا يعني أنه يريد مساعدة ما. ظل فتوة با الطاهر ظل فتوة، ضاعت معالمها مع مر السنين، وخبت نارها على صقيع الشيخوخة والكبر، فتوته صاغتها مرحلة ما في تاريخ المغرب، لم يتسطع لحد الآن أن يتخلص من صورها التي تدفئ أيام شيخوخته الطويلة والرتيبة ، باالطاهر قد يكون جاوز التسعين من عمره ، اختلطت الأسماء والوجوه والأحداث في ذاكرته ، لكنه كلما تعلق الأمر ببطولاته في القبيلة كفتوة، إلا وانتعشت جوارحه وومضت عيناه، مشعة ببريق جميل هادئ تهدهده ابتسامة عفوية « في القبيلة ، كان عندي العود لزرق..دكالة يا دكالة ، أنا سبيطي .كنت بسلاحي تبوريدا والسلاح ، كنت خطاف الشيخات ، الشيخة لمخايرا ،إلا جيت أنا نديها، شياخ بكري كانو بين دواور دايعين » في وجه هذا الشيخ بقية كبرياء لرجولة كانت تقاس بالسطوة والجبروت والقدرة علىالإغارة، النهب والسلب وحماية القبيلة من جبابرة القبائل الأخرى «كنت إلاركبت عل العود تبان الطريق ولو فزحام السواق، لعرس بشواري ، الوزيعة برضاتي و لقسمة بعودي» المعيار الوحيد الذي جعل با الطاهر يصبح فتوة قبيلته ، هو قدرته على البطش والقتل والظلم، ولكنه كان إلى جانب ذلك كريما يعشق «الليالي الحمراوات » ويسهر على أمن القبيلة وحدودها ومراعيها وجنانها ، لم يكن يأخذ مقابل ذلك إلا احترام الجميع «وي ديرو بحسابو » لهذا كان يغضب أشد الغضب حينما يعقد أمر دون حضوره وزواج دون إذنه وطلاق دون استشارته. وظلت صورته وتاريخه حكيا يحكى على دفء النار في الأيام الباردة ،يحكون مع مزيد من الخرافة ،عن رجل كان يقفز الخيام بفرسه وقتل السباع ، حارب وحده قيائل مغيرة ، واستمد قوته من « أخوة»ٌ غرائبية للجن ، يعري با الطاهر عن تاريخه ،فيحكي عن صولات رجل لعبت قوته وصلابته وشدته وشجاعته دورا كبيرا في تحويله أسطورة « ما مخاوي جن ولا عفريت ،غير لكان كيظل في الخلا و يبت كيحسبوه عيش مع الجنون». خارت قواه ووهنت عظامه و فقد مصدر فتوته ولم يبق منها إلا قصصا متناثرة ، يوزعها هنا وهناك ، دون سؤال ولا استفسار باحثا دوما عن متلق جديد لا يمل من الحكي والسرد عن زمن مضى برجاله وحكاياته. خالد أخازي الاحدات المغربية

ليست هناك تعليقات: